٢٦سبتمبر.. ثورة الخلاص التي لن تنطفئ

 

د/ جمال الحميري

في فجر السادس والعشرين من سبتمبر 1962 دوّى صوت الحق، وانطلقت ثورة عظيمة هزّت جبال اليمن وأزاحت حكم الأئمة الكهنوتي الذي جثم على صدور اليمنيين قروناً طويلة. ثورة ولدت من رحم المعاناة، وقضت على عصور التخلف والجهل والمرض، وأعلنت ميلاد الجمهورية، جمهورية الشعب والحرية والكرامة.

لقد كان سبتمبر صرخة المظلومين، وأمل المستضعفين، وانتصار إرادة أمة أرادت الحياة، فكسرت قيود الاستبداد والعبودية. لم يكن طريقه سهلاً، بل سبقته محطات نضال وتضحيات جسام: من ثورة 1948 التي كتب أحرارها بدمائهم أولى صفحات الكفاح، إلى حركة 1955 التي أبقت جذوة التحرر مشتعلة، وصولاً إلى حركة 1961 التي مهدت بدماء رجالها الطريق لفجر سبتمبر الخالد.

جاءت ثورة 26 سبتمبر لتقول للعالم: إن اليمن قد تحرر، وإن زمن الأئمة قد ولى إلى غير رجعة. وكان وراء هذا الانتصار كوكبة من الأحرار العظام، رجال آمنوا بالحرية وقدموا أرواحهم فداءً لها، من الثلايا إلى العلفي والقيه والهندوانه إلى الزبيري إلى النعمان وجميل جمال الى علي عبدالمغني، وصولاً إلى كل جندي مجهول غرس جسده الطاهر في تراب الوطن ليزهر حريةً وكرامةً للأجيال.

لكن اليوم، وبينما نستذكر أمجاد الثورة، نجد أنفسنا أمام خذلانٍ موجع. فقد أطلت برأسها مليشيا الحوثي، محاولةً إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، والانقلاب على الجمهورية ومؤسسات الدولة. هذه الجماعة تسعى لطمس كل ما يرمز لسبتمبر: غيّرت المناهج، غرست سمومها في عقول النشء عبر ما تسمى "المراكز الصيفية"، وشطبت أسماء الثوار من الشوارع والمدارس والمستشفيات، لتصنع جيلاً معزولاً عن ماضيه الجمهوري المشرق.

غير أن ثورة سبتمبر لم تكن مجرد تاريخ يُمحى أو راية تُنكس، بل هي روح تسكن كل قلب يمني حر. هي شمس لن تنطفئ، وإرادة لن تُكسر، وذاكرة عصية على النسيان.

 ونحن نستذكر هذه الثورة العظيمة، لا يمكن أن نغفل دور أشقائنا المصريين الذين شاركونا ملحمة الكفاح. لقد امتزج الدم اليمني بالدم المصري على ثرى اليمن، في صنعاء وتعز والحديدة، لتصنع تضحياتهم مع اليمنيين ملحمة انتصار تاريخي لن يُمحى من ذاكرة الأجيال. سيظل دم الأحرار المصريين واليمنيين معاً شاهدًا على أن ثورة سبتمبر لم تكن معركة شعب واحد فقط، بل كانت قضية أمة بكاملها، قضية حرية وكرامة وإنسان.