افتهان المشهري.. صوت العدالة الذي أزعج الفساد!
شدني مشهد لعامل نظافة يبكي بقهر على افتهان، لم تكن افتِهان المشهري مجرد اسم يُوقع في أسفل القرارات، ولا صوتًا عابرًا في دهاليز الإدارات كانت وطنًا صغيرًا يسكنه وجوه منسيّة، أولئك الذين يكنسون غبار المدينة بينما ترميهم العيون بغبار الإهمال.
كانت تعرف أسماءهم واحدًا واحدًا، تسأل عن أمهات بعضهم، وتُحضر الدواء لمن سقط في المرض، حين كان يسرقهم الظلم كانت افتِهان تفتح لهم أبواب العدالة. وحين كانوا يُحرمون من الأجر، كانت تصرخ في وجه البيروقراطية، لا تعرف الخوف، ولا تُجيد الصمت.
وعندما اغتيلت برصاصات غادرة في ظهر تعز، لا في جسدها فقط كان عمال النظافة أول من أدرك أنها اغتيلت لأن صوتها كان أعلى من أن يُسكت، وأصدق من أن يُشترى.
اغتالوها لأنها نظّفت ما لا يجرؤ أحد على تنظيفه!
مئات من عمّال النظافة وقفوا صفًّا واحدًا، أغلقوا الشوارع قهراً وغضباً، كانت خطواتهم حزينة، لكنها ثابتة. كانت هتافاتهم تنكأ الجراح، لكنها تزرع أملاً، لم يطلبوا شيئًا لأنفسهم، بل وقفوا لأجلها يريدون القصاص.
افتهان ما زالت تعيش في قلوبهم، في أعينهم، في صمتهم، في ارتجاف أيديهم حين يرفعون صورتها.
ليس الموت ما يُنهي حياة الإنسان، بل النسيان. وافتِهان، بأفعالها، غرزت جذورها في قلوب من قلّما يذكرهم أحد.
عمّال النظافة لم يبكوا فقط لأنها وقفت معهم، بل لأنها الوحيدة التي رأتهم بشرًا متفانين ومخلصين في عملهم.
عمّال النظافة؛ هؤلاء الذين لا تُذكر أسماؤهم في خطابات الدولة، لكن تُلقى عليهم مسؤولية نظافة الوطن.
افتِهان لم تكن مسؤولة عادية؛ كانت تحضر إليهم قبل أن تستيقظ البيروقراطية من سباتها كانت تعرف أن هؤلاء الناس لا يريدون صدقة، بل عدالة.
افتهان المشهري اغتيلت لأنها كانت تُنظّف ملفات الفساد كما تُنظّف الشوارع.
لأنها قالت "لا" في بلدٍ يُكافأ فيه من يقول "نعم".
جعلت من عمال النظافة جيشًا من الوعي، لا من الخنوع.
هي لم تمت وحدها، ماتت معها بقية الأمل الذي كان يسكن هؤلاء الرجال لكنهم على عكسنا لم يُكملوا حياتهم كأن شيئًا لم يكن.
بل كانوا أول من خرجوا للمطالبة بحقها، ودموعهم أنظف من وجوه من اغتالوها.
*صفحته على الفيسبوك