21 سبتمبر.. نكبة الانقلاب الحوثي وتداعياتها المأساوية على اليمنيين

لم يكن 21 سبتمبر 2014 مجرد تاريخ لانقلاب مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة في صنعاء، بل لحظة فارقة دشنت مأساة وطنية متواصلة. فقد مثل ذلك اليوم بداية لانهيار شامل ضرب ركائز الدولة اليمنية، وألقى بالمجتمع في دوامة حرب وتشريد وانتهاكات وانقسامات لا تزال تتسع بعد أكثر من عقد من الزمن.

منذ الساعات الأولى للانقلاب، عاش اليمنيون صدمة سياسية وأمنية واقتصادية، إذ سيطرت المليشيا بقوة السلاح على مؤسسات الدولة، وأقصت كل شركاء الحياة السياسية، وحولت العاصمة صنعاء إلى ثكنة عسكرية. سرعان ما تحولت هذه السيطرة إلى حكم بالقوة، قائم على القمع والترهيب ومصادرة الحريات، فخسر المواطن أبسط مقومات الأمن والاستقرار.

أدى الانقلاب إلى موجات نزوح جماعية، إذ وجدت آلاف الأسر نفسها مشردة بين المحافظات أو نازحة داخل مخيمات مكتظة لا تتوفر فيها أدنى مقومات العيش الكريم. وبحسب تقارير إنسانية، تجاوز عدد النازحين داخليًا أربعة ملايين شخص، كثير منهم يعيشون منذ سنوات بلا مأوى مستقر ولا مصادر دخل، لتتحول حياة الملايين إلى رحلة مفتوحة من المعاناة.

ولم يقف الأمر عند حدود النزوح؛ فقد زرعت المليشيا مئات الآلاف من الألغام في القرى والمزارع والطرقات، ما جعل اليمن أحد أكثر البلدان تلوثًا بالألغام في العالم. هذه المتفجرات العشوائية لم تميز بين رجل وامرأة أو طفل، وحصدت آلاف الأرواح، بينما بترت أطراف الآلاف من الناجين الذين يعيشون اليوم بإعاقات دائمة.

في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فرضت المليشيا واقعًا خانقًا عبر الاعتقالات والاختطافات التعسفية التي طالت سياسيين وصحفيين ونشطاء وحتى طلابًا. مئات الأشخاص ما يزالون خلف القضبان أو مختفين قسريًا، فيما تعرض آخرون للتعذيب أو أُعدموا بطرق غير قانونية. هذه الممارسات حوّلت المجتمع إلى فضاء خائف، يخشى فيه المواطن التعبير عن رأيه أو حتى التذمر من سوء المعيشة.

أما الاقتصاد فقد دفع الثمن الأكبر، إذ صادرت المليشيا إيرادات الدولة، ونهبت احتياطيات البنك المركزي، وأوقفت دفع رواتب الموظفين منذ 2016، ما ترك ملايين الأسر بلا مصدر دخل. ومع فرض الجبايات والإتاوات على التجار والمزارعين وأصحاب الأعمال، تحولت الحياة اليومية إلى صراع دائم لتأمين لقمة العيش، وتفاقمت معدلات الفقر حتى شملت أكثر من 80% من السكان.

على المستوى المعيشي، انعكست هذه السياسات في صورة مأساوية؛ فالمستشفيات شبه منهارة، والمدارس تحولت إلى ساحات تجنيد أو أماكن مدمرة، والأطفال يذهبون إلى النوم جوعى. وتُظهر التقارير أن أكثر من نصف الأطفال في اليمن يعانون من سوء التغذية، وهو رقم يلخص حجم الكارثة الإنسانية التي فجرها الانقلاب.

المجتمع اليمني انقسم بفعل سياسات المليشيا إلى ولاءات متنافرة، إذ جرى تغذية خطاب الكراهية والطائفية، وتفتيت النسيج الاجتماعي. هذا التشرذم لم يقتصر على السياسة، بل تسلل إلى الحياة اليومية، حيث بات الجار يشك بجاره، وعمّت حالة من فقدان الثقة بين أبناء المجتمع الواحد.

إلى جانب كل ذلك، حوّل الانقلاب البلاد إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، أصبحت اليمن منطلقًا لهجمات عابرة للحدود، وميدانًا لحروب بالوكالة، ما ضاعف عزلة اليمنيين وزاد من تدهور أوضاعهم. فبينما يسعى العالم لتخفيف الأزمات، يعيش اليمنيون تحت وطأة حصار اقتصادي وحرب مفتوحة بلا أفق للحل.

الجريمة أيضًا ارتفعت بشكل لافت، إذ أدى غياب مؤسسات الدولة إلى تفشي العصابات المسلحة والسطو والابتزاز. ومع انسداد الأفق أمام الشباب، تفاقمت البطالة، وارتفعت معدلات الانخراط في أنشطة غير مشروعة أو في صفوف الجماعات المسلحة، ما زاد من تفكك المجتمع.

بعد أحد عشر عامًا من انقلاب 21 سبتمبر، ما يزال اليمنيون يعيشون تداعياته القاسية يومًا بعد آخر. لم يكن مجرد حدث سياسي عابر، بل لحظة انهيار شامل لدولة بأكملها، وولادة مأساة إنسانية تصنف كواحدة من الأسوأ في العالم. ومع كل يوم يمر، تتجدد معاناة شعب لا يزال يدفع ثمن طموحات جماعة مسلحة اختطفت حلم اليمنيين في الدولة والسلام، وحولت حياتهم إلى صراع مفتوح مع الجوع والخوف والموت.