تعز على حافة الإفلاس.. كيف ابتلع قادة الجيش والأمن 8 مليارات خلال أشهر؟

في الوقت الذي يعيش فيه سكان مدينة تعز أسوأ ظروفهم المعيشية منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عشر سنوات، تكشف أرقام جديدة عن حجم النهب المنظّم الذي تمارسه القيادات العسكرية والأمنية في المحافظة تحت ذرائع شتى، ما جعل المدينة، التي كانت يوماً قلب النشاط المدني والتجاري في اليمن، تتجه نحو الإفلاس المالي والإداري.

مصادر اقتصادية مطلعة تؤكد أن أزمة مالية خانقة تضرب المحافظة في شقها الواقع تحت نفوذ الحكومة المعترف بها دولياً، نتيجة صراع خفي ومتصاعد بين قيادات الجيش والأمن من جهة، والسلطة المحلية من جهة أخرى، حول السيطرة على الموارد العامة وتوجيهها بعيداً عن القنوات الرسمية.

فخلال الفترة الممتدة من 22 مايو وحتى نهاية أكتوبر 2025، استحوذ الجيش على أكثر من 4 مليارات و87 مليون ريال يمني من موارد المحافظة، إلى جانب ما يقارب 500 مليون ريال شهرياً من الرسوم الإضافية المفروضة على المشتقات النفطية والغاز، وهو ما يرفع إجمالي العائدات التي استولى عليها خلال ستة أشهر فقط إلى قرابة 7 مليارات ريال.

في المقابل، لم تتجاوز مخصصات السلطة المحلية خلال الفترة نفسها 291 مليون ريال فقط، يُنفق معظمها على نفقات الجرحى والتشغيل، فيما تُركت الخدمات العامة في حالة شلل شبه تام.

أرقام تفضح واقعاً منهوباً

لم يقتصر الاستحواذ على الموارد النفطية فقط، بل امتد ليشمل مؤسسات مدنية أخرى.

وبحسب المصادر، جمعت إدارة شرطة تعز نحو مليار ريال من إيرادات الجوازات منذ مطلع يناير وحتى نهاية أكتوبر 2025، بمتوسط 5,500 ريال عن كل جواز سفر، بينما لم تحصل السلطة المحلية سوى على 950 ريالاً فقط عن كل جواز يصدر، ما يؤكد أن هناك اختلالاً صارخاً في توزيع الإيرادات وهيمنة شبه كاملة للجهات الأمنية والعسكرية على مفاصل الاقتصاد المحلي.

تشير البيانات المتاحة إلى أن الرصيد المالي المتبقي لدى السلطة المحلية لا يتجاوز 58 مليون ريال، منها 45 مليوناً مخصصة للجرحى و13 مليوناً فقط للنفقات التشغيلية، وهو ما يعني عملياً أن خزينة تعز على وشك الانهيار الكامل خلال أسابيع، إذا استمر تدفق الموارد خارج الأطر المؤسسية.

تحذيرات من انهيار شامل

منذ سيطرة فصائل الجيش والأمن المنتمية لحركة الإخوان المسلمين في اليمن، على المدينة في السنوات الأولى للحرب، تحولت تعز إلى ساحة نفوذ اقتصادي متشعب، حيث تنوّعت مصادر الجباية تحت مسميات مختلفة أبرزها "دعم الجبهات" و"المجهود الحربي"  و"رسوم مؤقتة"، و"نفقات تشغيلية طارئة"، لتصبح هذه المسميات أغطية شرعية لنهب متواصل.

وأكد مراقبون للمشهد الذي تواجهة المحافظة أن هذا النهب الممنهج للموارد العامة حرم مؤسسات الدولة المدنية من الاستقرار المالي والإداري، وأضعف ثقة المواطنين بالسلطة المحلية، التي بدت عاجزة أمام سطوة الأجهزة العسكرية والأمنية.

وحذروا من أن استمرار هذا الوضع سيقود إلى انهيار مؤسساتي شامل في تعز، خصوصاً في ظل غياب أي آلية مركزية لمراقبة الموارد أو توزيعها وفق القوانين المالية المعتمدة، ما ينذر بمرحلة جديدة من الفوضى الاقتصادية والخدمية، وربما بموجة احتجاجات شعبية ضد الفساد المستشري.

وأشاروا إلى أن ما يجري في تعز تجاوز حدود الفساد الإقتصادي مجسداً واقع الدولة المنهوبة، حيث تحوّل السلاح إلى أداة اقتصادية بيد القيادات النافذة، بينما تُترك مؤسسات الدولة المدنية لتواجه مصير الإفلاس والتهميش.

ومع تجاوز الحرب عقداً كاملاً، تبدو المدينة -التي كانت رمزاً للمدنية والوعي- رهينة شبكة مصالح متغوّلة، تتقاسم الثروة تحت شعارات “التحرير” و“الصمود”، فيما يدفع المواطن ثمن الفساد والانقسام والفوضى.