محللون سياسيون ومراقبون: الانشقاقات وتصعيد "الانتقالي" يعمّق الأزمة الاقتصادية ويفتح المجال أمام تدخلات خارجية أوسع

حذّر محللون سياسيون ومراقبون اثناء حديثهم لوكالة "خبر" من أن التصعيد الأخير الذي ينتهجه المجلس الانتقالي الجنوبي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، وما أعقبه الساعات الماضية من انشقاقات وزارية من الحكومة وإعلان ولاءها للمجلس، يمثّل انتكاسة خطيرة للجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار واستعادة مؤسسات الدولة، في ظل تعمّق الانقسامات داخل المعسكر المناهض لمليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانياً.

ويرى مراقبون أن المجلس الانتقالي كثّف تحركاته خلال الفترة الأخيرة عبر توسيع انتشاره العسكري، وفرض سيطرته على مناطق ومواقع استراتيجية، إلى جانب اتخاذ إجراءات أمنية وإدارية أحادية، ما أسهم في إضعاف الحكومة المعترف بها دولياً وتعطيل عمل مؤسسات الدولة. 

وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه المحافظات الجنوبية والشرقية توترات متزايدة، وسط مخاوف من تفكك السلطة المركزية وتآكل الإطار الوطني الجامع.

وفي تطور لافت، أشار محللون إلى أن إعلان عدد من الوزراء والمسؤولين في الحكومة المعترف بها دولياً، يوم الأحد 21 ديسمبر 2025، التزامهم بتوجيهات المجلس الانتقالي الجنوبي، واصطفافهم السياسي والإداري إلى جانبه، يشكّل سابقة خطيرة تكشف حالة انقسام واضح داخل بنية السلطة التنفيذية، لا سيما والمجلس الانتقالي سبق له تعيين الكثير من القيادات في مختلف الوزارات بمناصب رفيعة بينهم من يتولون حقائب وزارية.

انشقاق سياسي فعلي

ويعتبر مراقبون هذا الموقف بمثابة انشقاق سياسي فعلي من داخل الحكومة، يحمل دلالات عميقة على مستوى تآكل الانضباط المؤسسي، وتراجع مبدأ المسؤولية الجماعية، ويطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على العمل ككيان موحد في مواجهة التحديات القائمة.

وبحسب مصادر سياسية، فإن هذا المشهد المركب سوف يخلّف تداعيات اقتصادية وإنسانية مباشرة، لا سيما في المناطق التي تعاني أصلاً من تدهور الخدمات العامة.

وأدى تعدد مراكز القرار، وتداخل الولاءات السياسية داخل مؤسسات الدولة، إلى شلل إداري وانعكس سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين، مع تراجع ملحوظ في مستوى الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، فصلا عن احتدام أزمة مادة الغاز المنزلي في عدد من المحافظات المحررة.

ويحذّر سياسيون محليون من أن خطوات المجلس الانتقالي، إلى جانب حالة الانقسام داخل الحكومة نفسها، تهدد ما تبقى من فرص التوافق الوطني، وتقوّض آفاق التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، كما توفر لمليشيا الحوثي مساحة استراتيجية لإعادة ترتيب صفوفها واستثمار حالة التفكك داخل معسكر خصومها، الأمر الذي قد يطيل أمد النزاع ويزيد من تعقيد المشهد اليمني.

ويشير محللون إلى أن التزام مليشيا الحوثي الصمت إزاء التوترات الجارية في المناطق الخاضعة للحكومة يُنظر إليه على أنه موقف محسوب، في وقت تواصل فيه الجماعة عمليات التعبئة والتحشيد العسكري. 

ومنذ أواخر عام 2022، تفرض المليشيا قيوداً على تصدير النفط والغاز من المحافظات الشرقية، مستخدمة هذا الملف كورقة ضغط سياسية واقتصادية، وهو ما قد يزيد من تعقيد الأزمة في حال استمرار الانقسامات الداخلية داخل مؤسسات الدولة الشرعية.

تدخلات خارجية أوسع

على الصعيد الإقليمي، يحذّر خبراء من أن استمرار حالة عدم الاستقرار في جنوب وشرق اليمن قد تترتب عليه تداعيات تتجاوز حدود البلاد، نظراً للموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن على واحد من أهم الممرات البحرية الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن. 

ويؤكد هؤلاء أن إضعاف مؤسسات الدولة، وتعدد القوى المسلحة، وتضارب الولاءات داخل السلطة الشرعية، يرفع منسوب المخاطر الأمنية، وقد يفتح المجال أمام تدخلات خارجية أوسع.

وفي المحصلة، يؤكد محللون أن المسار الحالي ينذر بمزيد من التفكك السياسي والمؤسسي في اليمن في مرحلة بالغة الحساسية، داعين إلى تحرك وطني وإقليمي ودولي متجدد لاحتواء التصعيد، وتعزيز وحدة مؤسسات الدولة، وإعادة ضبط العلاقة بين مكونات السلطة الشرعية على أساس الالتزام بالدستور والمرجعيات المعترف بها دولياً، محذرين من أن استمرار الوضع الراهن قد يدفع البلاد نحو مرحلة أطول وأكثر تعقيداً من عدم الاستقرار.