المؤتمر الذي أرعب الحوثي وأقلق رفاق النضال من فرط وجوده

من دون شك الوطن لا يُبنى بالحقد، ولا بالصرخة، ولا بالذاكرة المثقوبة..
منذ أن قرر الحوثي أن يقفز فوق التاريخ، لم يكن أمامه عائق أكبر من حزب المؤتمر الشعبي العام، الحزب الذي لم يُصنع في دهاليز الطائفية، ولا انبثق من عباءة "السيّد"، بل تشكل من تربة اليمن، ومن ملامح ناسه، ومن الحلم الجمهوري الذي لم يكن يوماً صدى لصرخة مذهبية ولا وكيلاً فرعياً لمشروع عابر للحدود.
المؤتمر  الحزب الذي يحاول خصومه النيل منه في الإعلام ولم يهزموه في الشارع ظل يثير فزع الحوثي حتى بعد أن أُستشهد مؤسسه وهو يدافع عن الجمهورية هو وأمينه العام، واختُطفت قياداته، وصودرت مقراته، وتعرض لعملية محاولة اجتثاث ممنهجة ولم تنل منه وبقي حضوراً وذاكرة جماعية وطنية عصيّة على الموت.
لكن الحوثي ليس وحده في معركة الاجتثاث. هناك شركاء سابقون في المشروع الجمهوري، قرروا يا للمفارقة — أن المؤتمر عائق أكبر من الحوثي نفسه! فصاروا يعاملونه كخصم دائم، ويكيلون له التهم كلما لاحت له فرصة استعادة الصوت الوطني أو استنهاض جمهوره ومشروع الجمهورية، أو التعبير عن موقفه من خارج "جوقة التصفيق".
ولك أن تتخيل كم الحقد التاريخي الذي يحتاجه البعض كي يقف مع الحوثي ضد شريكه في الجمهورية!
بعض هذه القوى، لا تزال تعيش في 2011، متشبثة بأرشيف الكراهية، وعاجزة عن مغادرة "صراع الديكة"، رغم أن البلاد تحترق، والجمهورية تنزف، والمليشيا تتمدد على حساب الجميع، بلا استثناء.

هؤلاء لا مشروع لديهم لإسقاط الحوثي، ولا خارطة طريق لاستعادة الدولة، كل ما في جعبتهم هو الاستماتة على المحاصصة، والركض خلف المناصب، والمكايدة في بيانات الشرعية، وكأنهم يقتسمون إقطاعية، لا يحاولون إنقاذ وطن.
تراهم في كل معركة ضد الحوثي غائبين، لكن في كل معركة ضد المؤتمر حاضرين بشراسة، يحركون كتائبهم الإعلامية، ويوزعون الاتهامات وكأنهم سلطة قضائية محايدة، بينما هم في الحقيقة مجرّد أيتام ثارات قديمة.
يتحدثون عن وحدة الصف الجمهوري وهم أول من مزّقه، ينادون بـاستعادة الدولة وهم أول من استراح في كراسيها، وحرص على بقائها مفرغة من المضمون، مشلولة في القرار، خالية من السيادة، لكن مليئة بالمرافق، والمكافآت، ومواقع الصدارة في مشهد هزلي أقرب إلى لعبة احتلال المكاتب والمناصب لا استعادة الجمهورية ولا تحرير العاصمة.

إن حزباً كالمؤتمر، بحجمه وتاريخه، لم يكن يوماً حزب ملائكة، لكنه لم يكن أيضاً ميليشيا. لم يأت على ظهر دبابة، ولا تحت جناح طائرة مسيّرة. هو حزب الدولة لا الدويلة، وحين كانت بقية القوى تجهز الخيام وتكتب خطابات الساحات، كان هذا الحزب — بكل ما له وما عليه — يحمل الدولة على أكتافه، بصفتها مسؤولية وطنية، لا غنيمة سياسية.
الحوثي يدرك خطورة المؤتمر، لا لشيء، إلا لأنه يملك عمقاً جمهورياً لا تُنجبه التعبئة الطائفية، ولا تشتريه شعارات الصرخة، ولا يُربك بقرار صادر من قم أو بيروت.

أما "رفاق الإخوان وإخوان الرفاق" الذين يرون في المؤتمر عدواً لا يُغتفر، فهُم ببساطة شركاء في استمرار الكارثة، وسند غير معلن لمشروع الحوثي الطائفي.
لا أحد يطالبهم بعناق المؤتمر، ولا بكتابة أناشيد لتمجيده، بل فقط أن يتوقفوا عن لعب دور الحطب في محرقة هم أيضاً ستحرقهم لاحقاً.
فالوطن لا يُبنى بتصفية الحسابات، ولا باستحضار ثارات المراحل، ولا بتحالفات اللحظة التي لا ترى أبعد من المناصب واليافطات، بل يُبنى باستحضار المسؤولية، وتجميع الشظايا، ورؤية المصلحة الوطنية كأولوية فوق كل الحسابات.
وحتى يحدث ذلك، سيظل المؤتمر يربك خصومه، ويقلق حلفاءه المترددين، لا لأنه يصرخ، بل لأنه ببساطة لا يموت... مهما تواطأ الزمن!