ضبط الإيرادات... ضرورة إصلاحية لا تحتمل التأجيل

في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والتحديات الأمنية المستمرة، تبرز مسألة ضبط الإيرادات العامة كأولوية وطنية لا يمكن تجاوزها. فاستعادة الدولة وإصلاح مؤسساتها يبدأ أولاً من السيطرة الكاملة على الموارد، وتوجيهها إلى البنك المركزي، باعتباره المؤسسة السيادية التي تعنى بإدارة المال العام وحمايته من العبث والنهب.

إن الحديث عن الإصلاح الاقتصادي في ظل استمرار تفلت وتسرب الإيرادات، هو محض أوهام. فلا يمكن المضي في أي برنامج إصلاحي ما لم يتم حسم هذا الملف الحساس، والذي طالما كان باباً خلفياً للفشل والانهيار.

المؤسف أن الحكومة الشرعية لا تزال تتعامل بمرونة غير مفهومة مع الجهات الناهبة والأطراف المتنفذة التي تسيطر على الموارد وتحولها إلى حسابات خاصة، في مصارف خارج الرقابة القانونية. هذه المرونة في حقيقتها ليست سوى تواطؤ بصيغة رسمية، تدفع الدولة ثمنه باهظاً في أمنها واستقرارها ولقمة عيش مواطنيها.

إن الواجب الوطني والأخلاقي يحتم على الحكومة أن تمارس كامل سلطتها في انتزاع موارد الدولة من أيدي الجهات الناهبة، ليس عبر تفاهمات هشة أو مساومات ومحاصصات، بل بقوة القانون ومن خلال مؤسسات الدولة السيادية. كما يجب على الحكومة تجميد حسابات هذه الجهات، واسترداد الإيرادات المنهوبة وإيداعها في خزينة الدولة، وفرض عقوبات جنائية صارمة على كل من يعوق تنفيذ الإجراءات القانونية أو يتواطأ مع الجهات المتنفذة.

إن استمرار هذا الوضع الكارثي ينذر بانهيار اقتصادي شامل، لن تقف تداعياته عند حدود المؤسسات، بل ستمتد لتطول المجتمع بأسره. فالمواطن البسيط هو أول من يدفع ثمن هذا الفشل، من لقمة عيشه، وخدماته الأساسية، وفرصه في الحياة الكريمة.

اللحظة الراهنة تفرض على الحكومة أن تحسم أمرها يشكلاً وأضح لا يقبل التأويل، إما قيادة مشروع إنقاذ وطني يقوم على الشفافية والصرامة في إدارة الموارد، وإما تحمل المسؤولية الكاملة عن انهيار وشيك، لن ينجو من تبعاته أحد.