الطفولة الضائعة في اليمن

في العشرين من نوفمبر، حيث احتفل العالم باليوم العالمي للطفل إقراراً باتفاقية حقوق الطفل وحقه في الحماية والتعليم والحياة الكريمة، تتكشف صورة مغايرة ومؤلمة في اليمن.

 ففي أرض تتشقق فيها الجبال من قسوة الآثار المدمرة للنزاع، وتئن الأرصفة من وطأة الوضع المعيشي الصعب، يولد أطفال اليمن لا ليلعبوا أو يحتفلوا بحقوقهم، بل ليكونوا شهوداً على مجزرة البراءة. 

أي ذنب اقترفته الطفولة في اليمن حتى تُعامل بهذا الجفاء؟ 

في أوطان أخرى، تُرصّ الأماني في حقائب المدارس، وفي اليمن تُرصّ الأحلام في أكفان صغيرة، تُحمل على أكتاف الحزن إلى مثواها الأخير. 

طفولة اليمن ليست مجرد مرحلة زمنية مهدورة، بل كارثة إنسانية تتوالى فصولها بصمت قاتل.

 فبتأثير هذه الظروف القاسية، كثير من أطفال اليمن اليوم خارج أسوار التعليم، وبعضهم داخل أسوار التجنيد القسري. 

لا مدارس، لا ملاعب، لا مستشفيات. فقط جوعٌ يتربص، وتداعيات عنيفة لا تفرّق بين رضيع ومقاتل. 

في قرى نائية، يجر الأطفال أجسادهم النحيلة بحثاً عن قطرة ماء أو لقمة خبز، بينما تُغلق المدارس أو تتحول إلى ثكنات عسكرية. 

في المدن، يُستبدل دفتر الرسم بكيس بلاستيكي يتسوّل به الطفل على ناصية شارع، وبدلاً من اللعب، يُدرّب على السلاح.

 أما الضحكة، فقد صادرتها سنوات المعاناة منذ زمن، ولم تعد. 

أي مستقبل يُراد لأمة تُنحر طفولتها كل يوم؟ هل يدرك العالم أن اليمن ينهار ليس فقط بفعل القتال، بل بتخريب أجياله وتفاقم الأزمة الاقتصادية؟ 

فما قيمة وطن بلا أطفال، بلا مدارس، بلا كتب، بلا ضحكات صباحية على أبواب الصفوف؟ طفل اليمن لا يريد سوى حقه في الحياة الكريمة. لا يريد شيئاً خارقاً؛ فقط صباحاً آمناً، وكتاباً نظيفاً، وصوت معلم لا يُغتال ولا يختطف قبل أن يقول "افتح الكتاب".

 لكننا في زمن تحترق فيه آمال المستقبل بفعل الآثار المدمرة للنزاع، وتُجهز فيه المصاعب المعيشية على أحلام الأطفال.

 الطفولة في اليمن ليست مأساة فقط، بل فضيحة أخلاقية. فضيحة لصمت العالم تجاه التدهور المعيشي الحاد، ولعجز المجتمع الدولي عن وقف التداعيات الكارثية للنزاع، ولبؤس الضمير الإنساني. 

وما لم نرفع صوتنا عالياً لأجلهم، فسنشهد قريباً على جيل بلا ذاكرة، ولا تعليم، يواجه وطناً مثقلاً بالوضع المعيشي الصعب. 

الطفل اليمني اليوم لا يطلب صدقة، بل عدالة. لا يريد عطفاً، بل حقاً.

فامنحوه حقه في الحياة... قبل أن يصير الموت، أو العيش تحت خط الفقر المدقع، عادته اليومية.