كيف أنقذت مصر جوهر القضية الفلسطينية من التصفية؟

في حرب غزة الأخيرة لم تدافع مصر عن حدودها وأمنها فقط بل أنقذت جوهر القضية الفلسطينية من أكبر عملية تصفية دولية ممنهجة منذ 1948. أدارت القاهرة الملف واللحظة ببراعة تعكس عظمة قيادتها ومؤسساتها، أوقفت مشروع التهجير الذي كان يهدف بشكل رئيسي إلى تفريغ القطاع من سكانه وإلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية والسياسية للمنطقة وجعلت من معبر رفح خطاً أحمر من جانب يحمي الأرض الفلسطينية من مخطط التفريغ ومن الجانب الآخر يحمي الهوية الفلسطينية والعربية من الذوبان أو التلاعب السياسي الذي كان سيتمثل في طمس الانتماء الوطني وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد لاجئين بلا وطن أو قضية.

شهدنا منذ البداية الجيش المصري وهو يتحرك بكل حزم لتثبيت قواته على الحدود المصرية وفرضه المباشر لواقع ميداني يمنع أي اختراقات، بينما أدارت المخابرات العامة ملف الحرب بتكتيك هادئ وفعال من خلال ضبطها للاتصالات بين تل أبيب وواشنطن وغزة وأجبرت الجميع على التعامل مع القاهرة باعتبارها الطرف الوحيد القادر على فرض أو تحقيق التوازن بين الجانب الإنساني والسيادي، وبهذا المعنى توسع الدور المصري من مجرد موقف دبلوماسي إلى عملية استراتيجية وتاريخية متكاملة أعادت رسم حدود الدور العربي بأكمله.

في المقابل كانت إيران تدير المشهد من الخلف منذ بداية أحداث أكتوبر وتحاول من خلال فصائل المقاومة أن تحول غزة إلى ورقة في معادلتها الإقليمية، وكان جزء من الفصائل بل معظمها تتحرك بإشارات من طهران أكثر مما تحركها الإرادة الفلسطينية ونتج عن ذلك غياب الأولويات وتحول الدم الفلسطيني إلى مجرد أداة من أدوات التفاوض بين المحاور، وهنا تحديدًا كان الموقف المصري حاجزاً آخر وشديد الحسم في تدخله أمام سقوط القضية في فخ الوصاية الإيرانية أو جعلها ملفاً رابحاً لإيران ومحاورها لممارسة الابتزاز السياسي باسم الشعب الفلسطيني والقضية، ومن جهة أخرى كان خطاب جماعة الإخوان مكشوفاً وبائساً، وشاهدنا بكل وضوح انحيازه إلى تصفية الحساب مع الدولة المصرية وقيادتها أكثر من انحيازه لغزة والقضية الفلسطينية، وحاولوا استخدموا وتوظيف الحرب غزة ضمن توجههم في تقويض وتشويه صورة الجيش والرئيس المصري، متناسين أن هذا الجيش وهذا القائد هما من حميا مصر من مشروعهم وهما من منعا تحويل سيناء إلى معسكر لجوء دائم، وأفشلوا مخطط إفراغ غزة. 

انتصرت مصر هذا الانتصار الذي لا يقل أهمية أيدًا عن انتصار 6 أكتوبر ولكن هذه المرة من دون أن تطلق ولو رصاصة واحدة لأنها امتلكت القرار الشجاع والإرادة والحكمة ممثلة بقيادتها، حمت أمنها القومي بحرم شديد وشجاع دون أن تتخلى عن مسؤوليتها التاريخية تجاه قضية فلسطين، ولعبت دوراً مفصلياً أعادت تأكيد أن حضور الثقل المصري سيبقى نقطة البداية والنهاية، في كل معادلة بالمنطقة، وفي حرب غزة الأخيرة سيسجل التاريخ بخط عريض أن القاهرة في قيادة المشير عبد الفتاح السيسي أفشلت مخطط التهجير وحافظت على المعبر وأنهت المطامع الدولية في سيناء وفرضت معادلة توازن جديدة في زمن في زمن انهارت فيه المواقف وتاهت فيه البوصلات. 

وختامًا كما قال خليل مطران: 

وحمىً على الأرواح مؤتمن يا مصر أنت الأهل والسكن

تحيا مصر وقيادتها 

تحيا مصر وقيادتها

تحيا مصر وقيادتها