من صنعاء إلى الدوحة: كيف تناوبت إسرائيل وإيران على تعطيل صفقة غزة!

حسام ردمان

قبل المباشرة إلى تحليل تداعيات الهجوم الإسرائيلي الإرهابي في قطر، سيكون من المهم العودة لترتيب السياق الإقليمي انطلاقاً من أغسطس الماضي حيث كان اليمن مسرح المواجهة الساخنة في المنطقة، وصولاً إلى سبتمبر الجاري، حيث انتقلت كرة النار إلى الدوحة. 

في 18 أغسطس الماضي، وعقب حراك عربي جماعي، أعلنت حركة حماس موافقتها على إبرام صفقة شاملة تتضمن الإفراج عن جميع الأسرى وإنهاء الحرب. ولم تمر بضعة أيام حتى أعلن الحوثيون عن إطلاق صاروخ انشطاري للمرة الأولى نحو إسرائيل، ليتلوها موجة تصعيد بلغت ذروتها في 28 أغسطس وتصفية حكومة الحوثيين.

دورة التصعيد في اليمن أكسبت نتنياهو مزيداً من الوقت لفرض عملية اجتياح مدينة غزة والتهرب من مقترحات الصفقة. كما أن هذا التصعيد ساعد بطريقة غير مباشرة في تملص تل أبيب من التزامات "خطوة مقابل خطوة" في لبنان، وبدلاً من أن تطالب واشنطن إسرائيل بالانسحاب من الجنوب صارت تل أبيب تطالب ترامب بالتدخل عسكرياً لردع الحوثي في اليمن.

في المقابل نجحت طهران عبر تسخين الساحة اليمنية في تعطيل قطار التسويات الإقليمية لأنه لم يتوقف أولاً في محطتها النووية. لكن النهج الإيراني هذه المرة لم يركز على استنزاف الغرب وإسرائيل، بل ذهب إلى ابتزاز العرب؛ وقد كان الخطاب الحوثي طوال شهر أغسطس يركز على مهاجمة الرياض والقاهرة أكثر من تركيزه على تل أبيب.

لقد أخرجت إيران لسانها متحدية الجميع في أغسطس الماضي، وحركت ذراعها الحوثي في اليمن كي توصل الرسالة التالية: نجاح الوساطة العربية لوقف الحرب في غزة، مرهون بتنشيط المسارات التفاوضية بين طهران والغرب.

 وسوف يتجلى هذا المنطق بوضوح أكبر في تحركات وزير الخارجية الإيراني خلال سبتمبر الجاري: 

 - في 4 سبتمبر التقى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، خلال زيارته إلى الدوحة، أمير قطر؛ لبحث تعزيز العلاقات الثنائية، والتطورات الإقليمية والحرب في غزة. كما اجتمع مع قادة حركة "حماس"، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، لمناقشة البرنامج النووي الإيران.

- في 6 سبتمبر، أعلن وزير الخارجية الإيرانية أن بلاده أصبحت قريبة جداً من التوصل إلى إطار جديد للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن إيران منفتحة على استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

- في 8 سبتمبر، وزيرا خارجية مصر وإيران يدعوان، خلال اتصال هاتفي، إلى تحرك عالمي جدي لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة. ويؤكدان بأن أعضاء مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية يتحملون مسؤولية واضحة في تعزيز الدبلوماسية ومنع تفاقم القضية النووية الإيرانية.

بعبارة موجزة، خلال شهر سبتمبر لم يعد الملف النووي مشكلة إيرانية وحسب، بل أصبح مشكلة عربية طالما جرى ربطه بمسار الحرب في غزة. وعلى هذا الأساس نشطت وساطة "مصرية/قطرية" بين طهران والغرب والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالتوازي مع نشاط هذه الوساطة لتقديم مقترح شامل بخصوص غزة.

إن هذه الحسابات الإيرانية الدقيقة، ومثلما فسرت لنا دوافع التصعيد الحوثي في أغسطس، فإنها أيضاً تفسر أسباب الرد الحوثي الخجول على ضربة إسرائيل الموجعة بعد تصفية الحكومة الانقلابية في صنعاء.

وحتى الآن تلتزم الجماعة قواعد اشتباك منضبطة من خلال الإطلاق الدوري للصواريخ والمسيرات إلى العمق الإسرائيلي، متجنبة القيام بهجوم جوي "تشبعي" لإغراق الدفاعات الإسرائيلية، ومتجنبة أيضاً نقل التصعيد إلى البحر واستهداف الملاحة.

لكن ومثلما تتقن إيران التعطيل، كان متوقعاً أن تل أبيب لن تفوت فرصة تسميم الأجواء، وسوف تبادر حتماً إلى نقلة أمنية عسكرية لتفجير المنطقة.. والجديد هذه المرة أن إسرائيل لم تكتفِ باستهداف المحور المعادي لها، وقررت هي الأخرى ابتزاز الموقف العربي واستهداف قيادات حماس في قلب الدوحة.

تدرك تل أبيب جيداً أن ما يبقى على رمق المفاوضات بخصوص غزة ليس قوة حماس ولا إسناد محور الممانعة، ما يبقي على المفاوضات هو مثابرة الوساطة المصرية القطرية وعودة الضغط العربي الأمريكي. ومن هنا فإن ضربة الدوحة تصيب عصفورين بحجز: تسمح بتصفية الخصوم وتضمن تعطيل الوساطة.

ويجب على صانعي القرار في الدوحة والقاهرة أن يتناولا الحدث بعقل بارد، وأن يحبطا أهداف نتنياهو بنسف مسار المفاوضات، وفي حال نجاة الوفد الفلسطيني فإن الفضيحة ستكون إسرائيلية، وهذا يحسن شروط أي صفقة في غزة. ويعطي ذريعة عربية للضغط على واشنطن التي بدورها تضغط على تل أبيب.

وخلال الأيام القادمة سوف تكون إسرائيل محتاجة إلى استعادة ثوب الضحية، لذا قد تجد صواريخ الحوثي ومسيراته طريقها بيسر إعجازي نحو العمق الإسرائيلي، وتزداد قدرتها على اختراق الدفاعات الجوية وإيقاع الخسائر المادية والبشرية.. تماماً مثلما حدث في مطار ريمون. 

*من صفحته على الفيسبوك