لماذا أصبحت اليمن بحجم سفارة؟
عادل الشجاع
في مشهد يثير الحزن أكثر مما يثير الغضب، يجتمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي مع السفير السعودي محمد آل جابر، لبحث الأوضاع السياسية والاقتصادية في اليمن، ليس هذا اللقاء بحد ذاته ما يستدعي الاستغراب، بل السياق والمضمون والمستوى الذي تمثله هذه العلاقة المختلة التي تفرغ السيادة من معناها، وتحط من مكانة دولة ضاربة في أعماق التاريخ إلى مجرد “ملف” على طاولة سفير..
هل أصبحت اليمن بحجم سفارة؟ سؤال يتردد في أذهان كل يمني يشعر بالإهانة من هذا الانحدار السياسي، لم نعد نتحدث عن لقاءات بين رؤساء أو حتى وزراء خارجية، بل عن لقاء رئيس دولة بسفير، أين العقول؟ أين الكرامة؟ أين احترام الذات والسيادة؟.
اليمن، بتاريخها الذي يزيد عن خمسة آلاف عام، بممالكها التي علمت العالم الكتابة والحضارة، تصبح اليوم تحت مقاس سفارة؟ هل هذا هو المستوى الذي ارتضاه العليمي لنفسه ولليمن؟ ألم يكن الأجدر برئيس مجلس القيادة أن يرفع مستوى التمثيل، لا أن يضع نفسه –وبالتالي بلده– في مرتبة سفير دولة أخرى؟ والمرء، كما يقال، حيث يضع نفسه، والعليمي اختار أن يضع نفسه دون حتى مرتبة وزير، بل تابعا إداريا في قصر دبلوماسي أجنبي..
السفير السعودي، الذي يفترض أن يكون مجرد ناقل للرسائل السياسية، بات يتحكم في المشهد اليمني كما لو كان مندوبا ساميا في مستعمرة، أي عبث بالسيادة هذا؟ هل ما تبقى من اليمن لا يستحق حتى تعاملا نديا؟ لماذا يختصر المشهد السياسي اليمني في لقاءات مغلقة مع موظفين دبلوماسيين؟ لماذا لا نرى العليمي يفرض حضوره في القمم والمحافل الدولية؟ ولماذا لا تدار شؤون اليمن من داخل اليمن، لا من الرياض أو عبر وكلائها؟.
هذا المشهد ليس عابرا، بل هو انعكاس حقيقي لانحدار خطير في مفهوم الدولة والكرامة الوطنية، حين يقبل رأس السلطة بلعب دور التابع، فلا تلومن أحدا إن صارت البلاد أشبه بـ”سفارة”. وليت الأمر توقف عند ذلك، بل إن القرار الوطني يتخذ من خارج حدود اليمن، بينما الشعب يترك لمصيره مع الجوع والانهيار الاقتصادي والتمزق الاجتماعي..
إن على من يدعي قيادة اليمن اليوم أن يتوقف عن هذا العبث، فاليمن ليست دكانة سياسية، ولا سفارة بلا سيادة، اليمن دولة، إن كانت لم تعد كذلك اليوم، فليس لأن التاريخ خانها، بل لأن من في مواقع القيادة باعوها بثمن بخس..
ختاما، من يقبل أن يكون مجرد تابع لسفير، لا يحق له أن يتحدث باسم شعب بأكمله، ومن يختزل اليمن في لقاءات مع السفراء، فقد اختزل نفسه قبل أن يختزل الوطن..