تفجير جامع دار الرئاسة.. بوابة القضاء على الدولة اليمنية وسقوط المشروع الوطني
في أول جمعة من رجب في الثاني من شهر رجب 1432 هجرية الموافق الثالث من يونيو 2011 ميلادي، كان اليمن على موعد مع واحدة من أعظم الجرائم السياسية التي شهدها في تاريخه المعاصر، عندما استهدفت يد الإرهاب جامع دار الرئاسة في العاصمة صنعاء، في محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس علي عبدالله صالح وبعض من كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين. تلك الجريمة لم تكن مجرد محاولة اغتيال سياسية، بل كانت هجومًا على دولة القانون والمؤسسات، وعلى النظام السياسي الذي كان يشرف عليه صالح طوال أكثر من ثلاثة عقود. ورغم أن التفجير لم ينجح في تحقيق هدفه الرئيس، إلا أن تداعياته كانت كارثية على الأمن الوطني والاستقرار السياسي في اليمن، وكانت بداية لتقويض الجمهورية اليمنية وصولًا إلى ما نحن عليه اليوم من انقلاب الحوثيين ودعوات الانفصال في الجنوب.
الهدف السياسي للجريمة
جسد تفجير جامع دار الرئاسة أكبر تحدٍ للنظام السياسي في اليمن. لقد كانت الجريمة بمثابة رسالة من قوى متطرفة إلى الشعب اليمني بأنها مستعدة للذهاب بعيدًا في إشعال الفوضى وزعزعة الاستقرار السياسي.
التفجير كان محاولة لتدمير الهيكل السياسي للدولة اليمنية، استهدافًا للرئيس علي عبدالله صالح ونخبة الدولة في لحظة بالغة الحساسية.
كان الهدف هو القضاء على مؤسسات الدولة وإيصال رسالة مفادها أن القوى المتطرفة لا ترغب فقط في إسقاط النظام الحاكم، بل في تدمير الدولة اليمنية نفسها، ونشر الفوضى والدمار في كل أرجاء البلاد.
وكانت تلك الجريمة بداية لعملية تفكيك النظام الذي كان قائماً في اليمن آنذاك، مما ساهم في تسريع تفشي الفوضى والفراغ السياسي. غياب الدولة وتزايد التوترات السياسية والعسكرية بين مختلف القوى السياسية، من التيار الإخواني إلى الحركة الحوثية إلى المعارضة المسلحة، فتح الباب أمام تزايد الانقسامات التي أدت في النهاية إلى ظهور قوى متطرفة تستخدم الإرهاب كأداة رئيسة للضغط على الدولة.
منهجية الجريمة
منهجية تفجير جامع دار الرئاسة تظهر بوضوح طابع التطرف والإرهاب الذي اتبعته القوى المنفذة للجريمة. لم تكن الجريمة مجرد مخطط لقتل الشخصيات السياسية، بل كانت محاولة لتحطيم أسس النظام اليمني وتدمير المشروع الوطني الذي يسعى إلى إقامة دولة القانون والمؤسسات.
استهداف مكان مقدس مثل جامع دار الرئاسة، الذي يوجد فيه الرئيس صالح والمسؤولون، كان مؤشرًا على غياب المبادئ الإنسانية. الجريمة لم تأخذ في الاعتبار المبادئ الدينية أو الإنسانية، بل كانت مجرد أداة لتصفية الحسابات السياسية بطرق إرهابية.
الفوضى التي نشأت بعد التفجير كانت مدفوعة بمخططات تكتيكية تهدف إلى إشاعة العنف وإضعاف الدولة، تمامًا كما فعلت الجماعات الإرهابية في العديد من الدول العربية التي شهدت رياح أحداث نكبات 2011م. كانت القيم الوطنية غائبة تمامًا عن أولئك الذين دبروا ونفذوا هذا الهجوم. ولا يزال الغموض يحيط بالجهات المتورطة في التخطيط والتنفيذ، على الرغم من الاتهامات الموجهة إلى التيارات العسكرية والسياسية الموالية للإخوان المسلمين والحوثيين، الذين حاولوا التنصل من مسؤولية الجريمة.
تخادم الحوثي وحزب الإصلاح
بعد التفجير، بدأ التخادم المشبوه بين مليشيا الحوثي وحزب الإصلاح الإخواني في الظهور بشكل واضح. رغم العداء المستمر بين الطرفين، إلا أن الصفقات السياسية بينهما حول تبادل الأسرى تضمنت إطلاق سراح بعض المتهمين بالتورط في جريمة تفجير جامع دار الرئاسة. هذه الصفقة كانت محاولة لطمس الجريمة ولحماية من تورطوا فيها.
في الوقت الذي كان فيه الشعب اليمني يسعى لتحقيق العدالة وتحديد المسؤولين عن التفجير، كان هناك تواطؤ بين الحوثيين وحزب الإصلاح للبحث عن مصالح مشتركة في هذا الملف، وتبادل المنافع بين الطرفين على حساب الوطن والمسؤولين الذين ضحوا بحياتهم في خدمة دولة النظام والقانون.
كان هذا التبادل يخدم مصلحة الحوثيين في تعزيز نفوذهم العسكري والسياسي في مناطق معينة، بينما كان الإصلاح يسعى إلى مكاسب سياسية في إطار تحركاته الداخلية ضد النظام.
هذا التعاون بين الإخوان المسلمين والحوثيين كان بداية لفهم أعمق للكيفية التي يمكن فيها التخلي عن المبادئ الوطنية والتعامل مع قضايا الشعب اليمني وفقًا لمصالح ضيقة، بدلاً من تحقيق العدالة أو بناء دولة مؤسسات تسعى لإعادة البناء الوطني.
نهاية مشروع الدولة
تفجير جامع دار الرئاسة لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان البوابة التي أدت إلى الانقضاض على الدولة اليمنية. بعد التفجير، انتقل اليمن من مرحلة الاحتجاجات الشعبية إلى مرحلة الانقسام الداخلي الذي كانت نتيجته سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014، ما شكل نقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد.
في تلك المرحلة، كان حزب الإصلاح يواجه تحدياته الخاصة، وبدلاً من أن يساهم في مواجهة الحوثيين ودعم الشرعية، انخرط في مفاوضات مشبوهة مع المليشيا الحوثية، رغم تاريخ الصراع بينهما. وبذلك، انكشف التحالف الخفي بين الطرفين في إطار تبادل المنافع السياسية والعسكرية.
اليوم، نرى نتائج هذه الجريمة في الانقلاب الحوثي الذي أجهض مستقبل اليمن، وأدى إلى غرق البلاد في حرب عبثية دموية تستمر حتى الآن.
الحوثيون سيطروا على شمال اليمن في محاولة لفرض مشروع طائفي سلالي، بينما شهد الجنوب دعوات متصاعدة للانفصال نتيجة غياب المشروع الوطني.
هذه الظروف السلبية هي ثمرة التطرف السياسي الذي مارسه الإصلاح والحوثيون، وهم الذين عملوا على إفشال مشروع الدولة التي كانت قد بدأت بالظهور في اليمن المزدهر الذي انقلب عليه في 2011.
النتيجة النهائية: القضاء على الجمهورية اليمنية
ما حدث بعد تفجير جامع دار الرئاسة ليس مجرد سلسلة من الهجمات، بل هو عملية منهجية للقضاء على الجمهورية اليمنية، ودولة القانون والمؤسسات.
كانت تلك الجريمة خطوة استراتيجية لإجهاض أي مشروع يقوم على التعددية السياسية والمؤسسات الديمقراطية في اليمن. واليوم، وبعد سنوات من الحرب والانقسام، يتضح أن الهوية الوطنية اليمنية قد تآكلت بشكل كبير، وأن مشروع الجمهورية الذي طالما كان أمل الشعب قد أصبح حلمًا بعيد المنال نتيجة لهذا التحالف المظلم بين الحوثيين وحزب الإصلاح.
تفجير جامع دار الرئاسة في 2011 كان بداية للمشروع الإرهابي الذي سعى لتحطيم اليمن وجعل الشرعية في مواجهة المصالح الضيقة للأحزاب والجماعات المسلحة. هذا التفجير الذي أسفر عن موت عدد من الشهداء في الدولة كان المقدمة لما آل إليه اليمن اليوم، من انقسام داخلي وتفكك في النظام السياسي، وغرق في دوامة حرب لا تنتهي.