في الذكرى الـ14 لتفجير جامع دار الرئاسة.. الجريمة التي دشنت العنف وفتحت الباب أمام الفوضى في اليمن

يُجمع اليمنيون على أن جريمة دار الرئاسة الإرهابية أدخلت اليمن في صراع دائم بين اليمنيين، وفتحت الباب أمام الفوضى في البلاد. واليوم نعيش الذكرى الرابعة عشرة لهذه الجريمة الإرهابية المنظمة والأليمة، وما زالت الخيوط نفسها التي حاكت هذا الجريمة تمارس نفس الدور لكن بطرق مختلفة.

يقول مراقبون تحدثوا مع وكالة خبر، إن الذكرى تمر ولا تمرّ الجريمة، حيث ارتُكبت في أول جمعةٍ من شهر رجب الحرام واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ اليمن الحديث.

وبحسب المراقبين، فإن الجريمة لم تستهدف مكانًا فحسب بل استهدفت قدسية الصلاة وهيبة الدولة ومعنى الوطن، موضحين بأن تفجير جامع دار الرئاسة لم يكن فعلَ غدرٍ عابر، بل محاولة مدروسة لاغتيال وطنٍ كامل، في انتهاكٍ صريح لحرمة المكان والزمان والإنسان. ولم يكن الهدف شخصًا، بل الدولة والسيادة والكرامة الوطنية.

وطبقاً للمراقبين، فإن من ارتكبوا الجريمة أخطأوا الحساب فالأوطان لا تُغتال والرجال الكبار لا يسقطون بالمتفجرات، بل يخلّدهم التاريخ وتدين قاتليهم الأيام.

وأضافوا بأن "جريمة دار الرئاسة الإرهابية، والتي اختارت موعد التنفيذ في أول جمعة رجب لتكون شاهدة على أبشع جرائم الجماعات الدينية المتطرفة، أو ما تسمى جماعات الدين السياسي، ففي العام 2011م وفي أول جمعة من رجب ذهب الرئيس علي عبدالله صالح لأداء صلاة الجمعة في مسجد دار الرئاسة ومعه كل قيادات الدولة، يومها كانت الوساطات تتحدث عن تهدئة، ولم يتوقع حينها الرئيس بأن مكان الغدر سيكون في عقر بيت من بيوت الله".

وشدد المراقبون، بأن "البداية كانت في عقر مسجد دار الرئاسة، ثم بدأ الصراع يسرق ملامح الوطن ببطء شديد، ثم تتابعت سلسلة الأحداث التي تلت فوضى فبراير، والحديث دائماً ما يقودنا لهذه الجريمة، وعن التخادم يومها بين تنظيم الإخوان (حزب الإصلاح) ومليشيا الحوثي الإرهابية، التي فتحت لها فوضى فبراير وجريمة دار الرئاسة ثقباً أسودَ في اختراق الدولة والسطو عليها وإسقاط العاصمة صنعاء وتدمير دولة بكل أركانها، وعلى رأس ذلك الوحدة اليمنية المباركة".

 

وتابعوا بأن "ذكرى تفجير جامع دار الرئاسة تمر دون حاجة إلى استعادة تفاصيلها المؤلمة؛ فقد كُتب عن الجريمة الكثير، وقيل فيها ما يكفي من الإدانة والاستنكار، غير أن ما يستحق التوقف عنده اليوم ليس الحدث بحدّ ذاته، بل المسار الخطير الذي دشّنته تلك اللحظة الفاصلة في تاريخ اليمن الحديث، حين انتقل الصراع من فضاء السياسة إلى منطق العنف، ومن التنافس السلمي إلى كسر المحرّمات الوطنية والأخلاقية“.

وذكروا، بأنه في أول جمعة من رجب عام 2011، لم يُستهدف الرئيس علي عبدالله صالح وقيادات الدولة، ولا موقع سيادي فحسب، بل استُهدفت الدولة اليمنية برمتها للمرة الأولى بهذا الشكل الصادم، فقد شكّل تفجير جامع دار الرئاسة إعلانًا خطيرًا عن قبول العنف وسيلةً للوصول إلى السلطة، وهو خيار لم يتوقف أثره عند لحظته، بل تمدّد لاحقًا ليقود البلاد إلى واحدة من أعقد الأزمات في تاريخها.

وأشاروا إلى أن الوقائع اللاحقة أثبتت أن العنف لا يُنتج سلطة مستقرة، ولا يبني دولة قابلة للحياة، فكل ما جرى بعد تلك الجريمة المروّعة لم يكن سوى سلسلة متصلة من الاختلالات السياسية، والانقسامات الاجتماعية، وتآكل الثقة بين المجتمع والدولة، وصولًا إلى تفكك المؤسسات، ما فتح الباب واسعًا أمام التدخلات الإقليمية والدولية، وأسهم في إضعاف القرار الوطني المستقل.

وتحدثوا، بأنه لا تكمن خطورة جريمة دار الرئاسة في فداحتها، ولا في وقوعها في مكان وزمان مقدّسين فحسب، بل في كونها قوّضت منطق التداول السلمي للسلطة، وضربت في الصميم التجربة الديمقراطية الناشئة التي كان اليمنيون، رغم عثراتها، قد اختاروا السير فيها عبر صناديق الاقتراع والاحتكام للإرادة الشعبية. وهي تجربة شهدت – بشهادة منظمات دولية – محطات انتخابية مثّلت خطوة متقدمة في محيط إقليمي مضطرب.

ورأى المراقبون، بأنه "منذ ذلك التحول الخطير، دخلت البلاد في دوامة من العنف المتبادل، جرى خلالها تهميش الحوار، وتوسيع دائرة الإقصاء، وسيادة منطق الغلبة على مفهوم الشراكة، وكانت النتيجة أن دفع اليمنيون جميعًا ثمنًا باهظًا من الدماء، والانقسام، والفقر، وتمزّق النسيج الاجتماعي، وضياع الأمل في دولة جامعة لكل أبنائها".

واعتبروا بأنه "ورغم الإدانات الواسعة التي صدرت آنذاك من القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الحقوقية الدولية، إضافة إلى قرار مجلس الأمن الذي صنّف الجريمة عملًا إرهابيًا وأدانها، فإن غياب المحاسبة الجادة وتعثر العدالة في المرحلة الانتقالية ساهما في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، وفتحا الباب أمام تكرار الجرائم والانتهاكات التي لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم"

وشددوا على إن استحضار ذكرى تفجير جامع دار الرئاسة لا ينبغي أن يكون مناسبة لإعادة إنتاج الخصومات أو تأجيج الأحقاد، بل فرصة وطنية لمراجعة خيار العنف ونبذ الإرهاب، فالتجربة اليمنية، بكل ما حملته من آلام، تؤكد أن التغيير القائم على استخدام القوة لا يقود إلا إلى مزيد من الانهيار، وأن الحوار – مهما بدا صعبًا أو بطيئًا – يبقى الطريق الأقل كلفة، والأكثر واقعية، لحل الخلافات وبناء دولة المواطنة المتساوية.

وبحسب المراقبين، فإن ذكرى تفجير دار الرئاسة يجب ألا تبقى حبيسة الذاكرة المؤلمة، بل أن تتحول إلى وعيٍ جمعيّ يحصّن اليمنيين من تكرار المأساة، فما جرى في ذلك اليوم لم يكن انتصارًا لأي طرف، بل كان فاتحة لتدشين أسوأ فصول العنف، وبداية خسارة وطن بأكمله، حين فُتح الباب واسعًا أمام العنف وأُغلق أمام السياسة.

ويرى اليمنيون، بأن السنوات اللاحقة أثبتت أن الأوطان لا تُدار بالصدمات، ولا تُبنى على أنقاض المساجد والمؤسسات، وأن الطريق إلى الدولة لا يمر عبر التفجير أو الإقصاء، بل عبر الحوار، والقبول بالآخر، والاحتكام إلى الإرادة الشعبية في إطار دولة القانون والمواطنة المتساوية.

وذكروا إن مسؤولية استعادة اليمن لا تقع على طرف واحد، بل هي مسؤولية وطنية وأخلاقية مشتركة، تبدأ بالاعتراف بفشل العنف، وتنتهي بإعادة الاعتبار للحوار بوصفه الخيار الوحيد القادر على إنقاذ ما تبقى من الدولة، فاليمنيون، إذا التقوا دون أجندة مسبقة، قادرون على إنتاج مشروع وطني جامع يعيد لليمن دولته وسيادته، وللشعب أمله في حياة كريمة.