تفجير مسجد الرئاسة.. كيف كُشف أخطر مخطط لإسقاط الدولة اليمنية

في الثالث من يونيو 2011، الذي صادف أول جمعة من شهر رجب، يستذكر اليمنيون واحداً من أخطر المخططات الإجرامية المدروسة، التي كان يُراد من خلالها إسقاط النظام وإغراق البلاد في فراغ دستوري شامل، عبر عملية إرهابية استهدفت قيادات الدولة اليمنية، وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، داخل مسجد دار الرئاسة بالعاصمة صنعاء.

الهجوم، الذي وقع داخل أحد دور العبادة التي يفترض أن تتمتع بحرمة دينية مطلقة، وفي توقيت ديني بالغ الحساسية، اعتبره مراقبون وسياسيون رسالة صادمة تؤكد أن منفذي العملية تجاوزوا كل الخطوط الحمراء، ولم يتورعوا عن انتهاك قدسية المسجد وحرمة الشهر الكريم لتحقيق أهداف سياسية عنيفة.

وأكدت مصادر سياسية أن العملية لم تكن معزولة أو عشوائية، بل جاءت ضمن مخطط متكامل لإزاحة رأس الدولة وقيادات الصف الأول دفعة واحدة، بما يؤدي إلى شلل مؤسسات الحكم وخلق حالة فوضى دستورية تفتح الطريق أمام انقلاب شامل على النظام السياسي القائم.

وترى هذه المصادر أن اختيار يوم الجمعة ومكان العبادة لم يكن مصادفة، بل خطوة محسوبة لإحداث صدمة نفسية ومجتمعية، وبث الرعب في أوساط المواطنين، وتقويض الثقة في قدرة الدولة على حماية رموزها ومقدساتها في آن واحد.

سيناريو الانهيار الشامل

يقول ناجي بابكر، عضو المكتب السياسي في حزب الشعب الديمقراطي "حشد"، إن "هذا الاستهداف كشف بوضوح وجود مشروع انقلابي لا يؤمن بالدولة ولا بالدستور، ويستخدم العنف الأعمى وسيلة للوصول إلى السلطة، حتى لو كان الثمن تدنيس المساجد وسفك الدماء في أيام محرّمة".

ويتفق بابكر مع سياسيين ومسؤولين حكوميين على أن "استهداف القيادات السياسية في هذا التوقيت كان يهدف إلى إدخال البلاد في فراغ قاتل، ودفع اليمن نحو سيناريو الانهيار الشامل، لولا تماسك مؤسسات الدولة وإدراكها المبكر لخطورة المؤامرة".

ويجمع مراقبون للشأن اليمني على أن هذا الحدث شكّل منعطفاً مفصلياً في مسار الأزمة، إذ كشف مبكراً طبيعة الصراع وأدواته، ورسّخ قناعة راسخة بأن المعركة لم تكن سياسية فحسب، بل معركة وجود دولة في مواجهة مشروع لا يعترف بالقانون ولا بحرمة الدين.

صراعات الطامعين

وكشفت تطورات المشهد اليمني، عقب نقل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح السلطة رسمياً إلى المرشح الرئاسي التوافقي عبدربه منصور هادي في 27 فبراير 2012، حجم المؤامرة الدولية على اليمن، واستخدام أدوات محلية كانت ضالعة في جريمة تفجير المسجد، واستمرت في الارتهان للخارج وأجندته، حتى غرقت البلاد لاحقاً في فوضى الانقلابات وصراعات الطامعين بالسلطة على حساب مصلحة الشعب والوطن.

وقال صالح، خلال كلمته في مراسم نقل السلطة: "أسلّم علم الثورة والحرية والجمهورية والأمن والاستقرار إلى يدٍ أمينة… إلى الزميل فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي".

فيما أعلن هادي: "أتمنى أن أقف بعد عامين مكان الرئيس صالح، ويقف رئيس جديد مكاني.. فهذا يعني أننا نرسي قواعد جديدة للتداول السلمي للسلطة".

تجربة أُجهضت عمداً

اليوم، وبعد مرور أربعة عشر عاماً، يقف اليمنيون على أطلال تجربة ديمقراطية شهد لها المجتمع الدولي قبل الداخل، تجربة سعت إلى تكريس التداول السلمي للسلطة وبناء دولة مدنية حديثة.

إلا أن هذا المشروع أقلق الجماعات الدينية والطائفية التي لا يمكن لها البقاء أو التمدد إلا في بيئات تعج بالفوضى، ومجتمعات ممزقة بالمناطقية والصراعات، فعملت على إفشاله وتغذية عوامل الانقسام، حتى تصدّرت المشهد دون اكتراث بوطن يتمزق بأيديها، أو شعب بات يصارع من أجل لقمة العيش، ويتسول حفنة دقيق من أبواب المنظمات الدولية.