إب بؤرة الصمت القاتل: 215 طفلاً اختفوا وعادوا بأفواه مكممة تحت عباءة الحوثيين

تحولت محافظة إب، المعروفة بجمالها الهادئ وروح الأمن والسلام والتعايش فيها، إلى مسرح لجريمة منظمة تهز المجتمع اليمني.

 تتصاعد ظاهرة الاختطاف الغامض للأطفال من الشوارع والمدارس، وتشير إحصائية صادمة وثقها ناشطون حقوقيون محليون إلى اختفاء ما لا يقل عن 215 طفلاً وطفلة في مركز المحافظة ومديرياتها خلال عامي 2024 و2025. الكارثة لا تكمن في حجم هذه الجرائم فحسب، بل في المفارقة المذهلة؛ فغالبية هؤلاء الأطفال يعاودون الظهور والعودة إلى منازلهم، لكن بأفواه مكممة وروح مروعة، تحت صمت مطبق تفرضه جهات خفية على العائلات، رافضين الإدلاء بأي تفاصيل عن سبب الاختفاء أو هوية الخاطفين.

 هذا السلوك يشير بوضوح إلى أن الخاطف ليس مجرماً جنائياً عادياً، بل قوة تملك نفوذاً يفوق القانون.

ترهيب منظم

إن إجبار الأسر على الصمت التام بعد عودة أطفالها يمثل دليلاً دامغاً على أن ما يحدث في إب هو جزء من عملية ترهيب ممنهجة وليست مجرد حوادث عابرة. 

المصادر تؤكد أن هذا الصمت هو نتاج ضغوط وتهديدات صارمة تتعرض لها الأسر لضمان عدم فضح الجهات التي تقف وراء هذه الجرائم، والتي يُرجح أنها تستغل الاختطاف لأغراض أبعد من الابتزاز المالي المعتاد. ويفسر حقوقيون أن الهدف قد يكون إما التجنيد القسري السريع للأطفال في معسكرات سرية تابعة للمليشيا، أو استخدام الأطفال كأدوات ضغط لانتزاع معلومات أو مكاسب سياسية أو مالية من ذويهم، ومن ثم إعادتهم مع إجبار العائلات على التنازل عن حقها في الملاحقة القانونية تحت طائلة التهديد.

شلل أمني

ما يزيد الأمر سوءاً هو الشلل الأمني والتواطؤ المريب الذي يحيط بالسلطات الأمنية الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي في إب. ففي الوقت الذي تظهر فيه هذه الأجهزة قدرة فائقة على ملاحقة واختطاف أي صحفي أو ناشط سياسي أو معارض في وقت قياسي، فإنها تعجز تماماً عن كشف أو تفكيك ولو شبكة اختطاف واحدة مسؤولة عن هذا العدد الهائل من المفقودين. 

هذا التناقض يضع الأجهزة الأمنية الحوثية في قفص الاتهام بتقديمها غطاءً لهذه العصابات، أو ربما بتورط قيادات نافذة فيها ضمن شبكات منظمة للاتجار بالبشر أو التجنيد القسري.

 استمرار تقييد القضايا ضد مجهول يعتبر دليلاً إضافياً على أن الأولوية الأمنية في إب هي حماية الحوثيين وليس حماية أمن وسلامة المواطنين وأطفالهم.

في ظل هذا المشهد القاتم، ومع عجز الأجهزة الأمنية الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي بمحافظة إب عن القيام بدورها، يطالب المجتمع المحلي والمنظمات الحقوقية بضرورة تدخل الهيئات الدولية المعنية بحقوق الطفل وحماية المدنيين.

 إن كسر حاجز الخوف والصمت في إب يتطلب تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، بعيدة عن نفوذ السلطة المسيطرة، للتحقيق في مصير الأطفال الذين لم يعودوا حتى الآن، ومساءلة القيادات الأمنية عن تقصيرها أو تورطها. ويظل رقم الـ215 طفلاً يمثل جرحاً مفتوحاً في جسد المحافظة، مؤكداً أن الخطر الداهم لا يكمن فقط في الجريمة، بل في النظام الذي يختار الصمت والتواطؤ لحماية الجناة.