الحوثيون يعمقون الجوع.. ظاهرة شراء "العيش اليابس" تتحول إلى سوق مفتوح في صنعاء (تقرير)

تشهد العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية، مظاهر غير مسبوقة تكشف عمق الانهيار المعيشي، إذ يجوب باعة الأحياء السكنية وشوارع المدينة وهم يعلنون عبر مكبرات الصوت عن شراء ما يُعرف بـ"العيش اليابس"  أو الطحين التالف من الأسر. 

وتصف مصادر اقتصادية هذه الظاهرة بأنها مؤشر صارخ على تراجع القدرة الشرائية وانعدام الحدّ الأدنى من متطلبات الحياة اليومية.

وأوضحت المصادر، في حديثها مع وكالة خبر، أن هذه الممارسات لم تكن مألوفة في المجتمع اليمني، لكنها توسعت خلال العامين الأخيرين مع تفاقم الفقر وارتفاع الأسعار وتوقف الرواتب الحكومية منذ أكثر من تسع سنوات في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي. 

ودفعت هذه الظروف العديد من الأسر لبيع ما تبقى لديها من مخزون غذائي، حتى وإن كان غير صالح للاستهلاك، بهدف تأمين احتياجات بسيطة كالدواء أو أجور المواصلات، خصوصاً مع ارتفاع الطلب على شراء العيش اليابس، وغالباً ما تتوافر لدى الكثير من العائلات التي تشهد تحسناً في وضعها الاقتصادي، وفي المطاعم وأماكن تقديم الوجبات السريعة والحقيقة من بقايا وجبات التي يتناولها الزبائن.

وذكرت مصادر محلية، أن الأسر التي تقوم بشراء الخبز اليابس تقوم بإعادة تدويره من خلال بله في ماء ساخن ثم إعادة طهيه.

ويرى مختصون أن هذا الخبز يشكل مخاطر صحية كبيرة، نتيجة تلوثه وبكترته، وغير صالح للاستخدام الآدمي، إذ يمكن تقديمه عبارة عن أعلاف للمواشي. إلا أن حالة الفقر المدقع دفعت الأسر الفقيرة إلى الاعتماد عليه في تأمين لقمة العيش باعتبارها أحد أبرز الطرق المتاحة في ظل تردي الظروف المعيشية الصعبة.

تحذيرات دولية

وتتزامن هذه المشاهد مع تحذيرات دولية متزايدة بشأن تصاعد أزمة الأمن الغذائي في اليمن. 

ووفق نظام تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل (IPC)، فإن أكثر من 18 مليون شخص يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، بينما تؤكد الأمم المتحدة أن 19.5 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وحماية، ما يجعل البلاد إحدى أسوأ بؤر الجوع في العالم.

وتعد أزمة الرواتب أحد أبرز العوامل التي عمّقت الوضع الإنساني في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، إذ تؤكد تقارير دولية وحقوقية أن مئات آلاف الموظفين لم يتلقوا رواتبهم بشكل منتظم منذ 2016، ما أفقد الأسر مصدر الدخل الأساسي وقلّص قدرتها على الوصول إلى الغذاء. 

ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن هذا الانقطاع الطويل يعدّ عاملاً رئيسياً في توسع رقعة الفقر وظهور أسواق هامشية تستغل حاجة المواطنين، ومنها شراء الخبز اليابس والمواد التالفة.

كما ساهم انهيار العملة المحلية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتراجع تمويل المساعدات الإنسانية، في مضاعفة الأزمة. 

وتؤكد تقارير برنامج الأغذية العالمي أن ملايين الأسر استهلكت جميع مدخراتها، ولجأت إلى وسائل تأقلم قاسية تشمل تقليل وجبات الطعام، والاعتماد على بقايا الأغذية، وبيع الأصول المنزلية البسيطة لتغطية الاحتياجات الأساسية.

وتعكس ظاهرة شراء «الخبز اليابس» بوضوح تكلفة السياسات الاقتصادية القائمة، وصمت مليشيا الحوثي عن إيجاد حلول فعلية لأزمة الرواتب أو الأمن الغذائي. 

ويحذر خبراء الاقتصاد من أن استمرار هذا النهج قد يدفع الأوضاع نحو مستويات أكثر خطورة، في ظل غياب إجراءات تخفف معاناة السكان أو تعيد منظومة الدخل إلى ما كانت عليه.