إب.. الحفر العشوائي يلتهم الأحواض المائية ويطلق صفارة إنذار بالجفاف
تشهد محافظة إب، منذ سنوات، انخفاضاً حاداً في مستويات المياه الجوفية، الأمر الذي أدى إلى تعميق آبار الشرب والري، وتراجع الإنتاج من الموارد المائية التقليدية، بما ينذر بتهديد متزايد للإمدادات المنزلية والزراعية على حد سواء.
وتشير تقارير ميدانية ومصادر فنية إلى أن منسوب المياه في عدد كبير من الآبار هبط عشرات الأمتار، في مؤشر واضح على استنزاف متسارع للأحواض المائية التي تتعرض لضغط غير مسبوق في ظل غياب سلطة رقابية فاعلة.
السحول.. من سلة غذاء إلى منطقة منهكة بمئات الآبار المخالفة
وتعد منطقة السحول مثالاً صارخاً على حجم الكارثة. فبعد أن كانت لسنوات طويلة سلة غذاء رئيسة لمحافظة إب وعدد من المحافظات المجاورة، تحولت اليوم إلى واحدة من أكثر المناطق عرضة للجفاف. وتشير إحصائيات محلية موثقة إلى وجود أكثر من ألف ومائتي بئر ارتوازية مخالفة، حُفرت خارج أي إطار قانوني بهدف ري مزارع القات.
ويعتمد أصحاب هذه الآبار على عناصر مسلحة تابعة للميليشيا الحوثية لفرض الحفر بالقوة، في تجاوز كامل للأنظمة والضوابط الفنية والبيئية.
ويصف مختصون هذا السلوك بأنه جريمة مركبة تنذر بتهديد مباشر لمستقبل المياه في المنطقة.
جهات نافذة تضاعف الاستنزاف المائي
مصادر محلية وتقارير ميدانية تؤكد قيام جهات نافذة ومنتمين للميليشيا الحوثية بدعم عمليات الحفر المخالفة أو التغاضي عنها، سواء عبر منح تصاريح غير سليمة أو تحصيل مبالغ مالية مقابل السماح بالحفر، ما أدى إلى زيادة الضغط على الأحواض المائية.
هذا الواقع يتزامن مع تراجع شديد في معدلات التغذية الطبيعية للمياه الجوفية، الأمر الذي يجعل عدداً من الأحواض مهدداً بالجفاف خلال فترة قصيرة.
غياب مشاريع السدود واندثار الحواجز المائية يفاقم النزيف
وفي ظل سيطرة مليشيا الحوثي، تغيب مشاريع إنشاء وتشييد السدود والحواجز المائية التي كان يفترض أن تستفيد من كميات الأمطار الغزيرة التي تتساقط على مدار فصل الصيف في المحافظة.
كما غابت أعمال الصيانة الدورية للسدود القديمة والحواجز المائية التي أُنشئت قبل سيطرة الحوثيين على إب، حيث طُمرت العديد منها واندثرت بالكامل، في خسارة مباشرة لقدرات التخزين المائي التي كانت تمثل صمام أمان للمزارعين والمجتمعات المحلية.
كارثة البناء العشوائي
ولا تتوقف المشكلة عند الحفر فحسب، بل تمتد لتشمل البناء العشوائي والمخالف في قلب الأحواض المائية، سواء في مركز المحافظة أو في عدد من المديريات.
هذا التمدد العمراني غير المنظم فوق مناطق تغذية المياه الجوفية يؤدي إلى تدمير الطبقات السطحية وعرقلة تسرب مياه الأمطار إليها، ما يقلل قدرة الأحواض على تجديد مخزونها.
وتشير التقارير إلى مخاطر بيئية إضافية تشمل الانهيارات الأرضية وتدهور الأراضي الزراعية.
آثار كارثية تطول الأمن الغذائي وتدفع السكان للنزوح
وتجاوزت آثار الأزمة حدود شح مياه الشرب، لتطول الأمن الغذائي، وتؤثر على الدخل الزراعي، وترفع تكاليف تشغيل الآبار والمضخات لدى المزارعين. كما سُجلت حالات نزوح داخلي محدودة من قرى جفّت فيها موارد المياه، بينما تتحمل الأسر أعباء مرهقة للحصول على كميات المياه اللازمة للاستخدام اليومي، سواء من مصادر بعيدة أو من شبكات بيع خاصة ترتفع أسعارها باستمرار.
الحلول تتطلب إرادة محلية وتدخلاً فنياً عاجلاً
يؤكد مختصون أن معالجة الأزمة تتطلب وقفاً فورياً للحفر غير المرخص، وتفعيل نظام رقابة صارم على الآبار، وتنفيذ حملات توعية شاملة حول إدارة الموارد المائية، إلى جانب الاستثمار في مشاريع حصاد مياه الأمطار وإعادة تأهيل الأحواض السطحية والجوفية.
كما تبرز الحاجة إلى تدخل مؤسسي متخصص بمشاركة منظمات دولية وخبراء جيولوجيا وهيدرولوجيا لوضع خرائط استدامة مائية تستند إلى بيانات دقيقة وحديثة.
لذا فإن الأزمة المائية في محافظة إب لم تعد مجرد مشكلة تنموية مؤجلة، بل أصبحت خطراً وجودياً يهدد السكان والزراعة والاقتصاد المحلي.
استمرار الحفر العشوائي والبناء المخالف وغياب المشاريع المائية سيقود إلى سيناريوهات جفاف قاسية خلال سنوات قليلة، ما يتطلب تحركاً جاداً لوقف النزيف المائي قبل أن تصبح المحافظة أمام واقع عطش لا يمكن تداركه.