ثورة الثاني ديسمبر… ثمانية أعوام على الشرارة التي كسرت وهم الهيمنة الحوثية
مثلت ثورة الثاني من ديسمبر 2017 محطة مفصلية لم تتوقف آثارها عند المواجهة مع المليشيا الحوثية الإمامية المدعومة من إيران بل كانت لحظة تحوّل عميقة في وعي اليمنيين تجاه طبيعة الصراع مع ميليشيا الحوثي.
فالثورة الديسمبرية لم تكن حدثاً عسكرياً محدوداً بقدر ما كانت كشفاً عميقاً لوهم “القوة المطلقة” التي حاول الحوثيون تسويقها لسنوات.
فقد أظهرت المواجهة القصيرة هشاشة بنية الجماعة في المجتمع، رغم خطابها العقائدي المغلق ومحاولاتها الظهور كقوة لا تُهزم.
وكشفت تلك اللحظة أن الخوف من الميليشيا ليس قدراً، وأن الإرادة الشعبية قادرة على كسر مشروعها القائم على العنف والقهر وتزييف الوعي.
أحدث استشهاد الرئيس صالح صدمة وطنية، لكنه سرعان ما تحول إلى رمز للدفاع عن الدولة والنظام الجمهوري. فقد أعاد للأذهان معنى المعركة الحقيقية: معركة بين مشروع دولة ومشروع سلالة، بين فكرة الوطن الجامع وفكرة الهيمنة المغلقة.
حيث أصبح الزعيم علي عبدالله صالح في ذاكرة الرافضين للانقلاب نموذجاً للصمود، وفي وعي الشباب عنواناً لثبات يعبّر عن تطلعات جيل يبحث عن نموذج سياسي وطني يتجاوز الولاءات الضيقة.
كما برهنت الأحداث على الفارق الجوهري بين مشروع الدولة الذي يستند إلى شراكة وطنية، وبين مشروع الجماعة القائم على الإقصاء ورفض التعدد.
امتدت آثار الثورة الديسمبرية إلى الدوائر الإقليمية والدولية، إذ أظهرت سلوكيات الحوثيين ومن ثم تصرفاتهم في البحر الأحمر وتهديدهم للملاحة إلى تعزيز القناعة الدولية بأن الانقلاب كيان غير قابل للإصلاح، وأن بقاءه يمثل خطراً يتجاوز حدود اليمن.
ورغم قصر مدة الانتفاضة، إلا أنها أسست لوعي جمهوري متجدد لدى جيل يمني شاب خرج عن القوالب التقليدية. يرى هذا الجيل في ديسمبر لحظة مقاومة فارقة وجذراً لأي مشروع وطني مقبل.
وبحسب محللين، لو امتدت الانتفاضة الثورية أياماً إضافية، لكان المشهد السياسي مرشحاً لتصدعات داخل الجماعة، وتحركات قبلية واسعة، وربما مسار سياسي مختلف تماماً.
واليوم، بعد مرور ثمانية أعوام، باتت ثورة ديسمبر إحدى الركائز المرجعية لأي رؤية للإنقاذ الوطني أو مشروع لبناء الدولة الحديثة.
فقد أكدت أن الدولة ليست ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية، وأن إرادة التغيير متى ما وُلدت لا يمكن إخمادها.