"مخفيون خلف الجدران: معاناة الأسر اليمنية في سجون الحوثيين"

تتواصل معاناة آلاف الأسر اليمنية نتيجة سياسة الاختطافات والإخفاء القسري التي تمارسها مليشيا الحوثي بحق المدنيين منذ سنوات، حيث تحولت هذه الممارسات إلى واحدة من أبشع صور القهر الإنساني، تاركة وراءها جروحًا غائرة في قلوب ذوي المختطفين والمخفيين قسرًا.

كثير من العائلات لا تزال تجهل مصير أبنائها بعد أن اختفوا فجأة، إذ ترفض المليشيا الإفصاح عن أماكن احتجازهم أو السماح لهم بالاتصال بذويهم. وفيما تعيش بعض الأسر على أمل عودة الغائبين، تتجرع أسر أخرى مرارة اليأس والانتظار الطويل الذي يمتد لسنوات.

في تصريح لوكالة خبر تقول أم لأحد المخفيين: "ابني اختُطف منذ خمس سنوات ولم أتلقَ أي خبر عنه. لا أعلم إن كان على قيد الحياة أم لا. هذا الانتظار عذاب يفوق الموت نفسه."

غياب المعيل بسبب الاعتقال أو الإخفاء تسبب بتفكك آلاف الأسر وتشرد كثير منها. نساء كثيرات وجدن أنفسهن مضطرات لتحمل أعباء العمل في ظروف قاسية لإطعام أطفالهن، فيما اضطر بعض الأطفال إلى ترك مدارسهم بحثًا عن مصادر رزق بديلة. إحدى الزوجات قالت: "منذ اختطاف زوجي وأنا أتنقل بين البيوت بحثًا عن عمل. لم يعد لدينا ما نعيش به. أطفالي يسألون عن والدهم كل يوم، ولا أجد إجابة."

التقارير الحقوقية تؤكد أن المليشيا حولت الاعتقالات إلى وسيلة للترهيب والقمع، وإلى تجارة مربحة من خلال ابتزاز الأهالي ومساومتهم على حرية ذويهم مقابل مبالغ مالية ضخمة. 

وتصف منظمات حقوقية السجون الحوثية بأنها "سوق سوداء للمعاناة"، حيث تُباع الكرامة وتُساوم إنسانية الضحايا.

وبحسب إحصائيات حقوقية موثوقة، وثقت منذ بداية الحرب أكثر من 170 ألف حالة اعتقال تعسفي نفذتها المليشيا، بينهم ما يزيد على 4 آلاف شخص ما يزالون رهن الإخفاء القسري حتى اليوم. كما تنتشر مئات السجون الرسمية والسرية في مناطق سيطرة الحوثيين، من بينها سجون تابعة لجهاز الأمن والمخابرات والبحث الجنائي وما يسمى بجهاز أمن الثورة، والأمن الوقائي إضافة إلى معتقلات سرية أقيمت داخل منازل ومبانٍ عامة حُولت إلى مراكز احتجاز.

الصدمة لا تتوقف عند هذا الحد؛ فالكثير من الأهالي يروون أنهم يعيشون "موتًا بطيئًا" كل يوم. إحدى الأمهات قالت: "أفتح الباب كل صباح على أمل أن يعود ابني، وأغلقه في المساء على خيبة أمل جديدة." فيما يضيف أحد الآباء: "العالم كله يعرف بما يحدث، لكن الصمت الدولي هو الذي جعل المليشيا تتمادى في جرائمها."

بهذا المشهد القاتم، تبقى آلاف الأسر اليمنية أسيرة الغياب القسري لأحبائها، تقاسي الفقد واليأس، في وقت تستمر فيه مليشيا الحوثي باستخدام سلاح الاختطاف كأداة للقمع والسيطرة، دون أي رادع محلي أو دولي حقيقي يوقف هذه الانتهاكات المستمرة.

إحدى المآسي المتكررة أن بعض الأسر لا تعلم باختطاف ذويها إلا بعد أشهر من فقدانهم، حين يصلها تسريب من معتقلين سابقين أو عبر سماسرة يتقاضون أموالًا طائلة مقابل تمرير معلومة عن مصير المخفي. هذا الواقع خلق بيئة خصبة للابتزاز، حيث أصبح البحث عن الحقيقة تجارة مربحة على حساب جراح الأسر المكلومة.

كثير من المختطفين يتعرضون لتعذيب جسدي ونفسي قاسٍ داخل السجون الحوثية، حيث توثق شهادات ناجين من الاعتقال أساليب صادمة تشمل الحرمان من النوم لفترات طويلة، الضرب المبرح، والإيهام بالغرق، إضافة إلى الإذلال اللفظي والتجويع. هذه الأساليب لا تهدف فقط إلى كسر إرادة الضحية بل إلى إرسال رسالة رعب إلى المجتمع بأسره.

الأطفال هم الأكثر تضررًا من هذه الانتهاكات، إذ يعيشون فراغًا عاطفيًا ونفسيًا بغياب آبائهم. معلمون في بعض المدارس أكدوا أن أطفال المختطفين يعانون من تراجع دراسي، اضطرابات سلوكية، وحالات اكتئاب حادة. بعضهم يرسم صورًا حزينة أو يكتب عن غياب والده في دفاتره المدرسية، كأنه يستغيث عبر الورق.

النساء أيضًا يواجهن ضغوطًا مضاعفة، فهن الضحية الأولى لاختفاء أزواجهن أو أبنائهن، إذ يحملن عبء الإنفاق والتربية والبحث المستمر عن أي خبر يبعث الأمل. شهادات كثيرة تؤكد أن بعض النساء اضطررن لبيع ممتلكاتهن أو اللجوء إلى الاستدانة لتأمين أتعاب المحامين أو دفع رشى للوسطاء من أجل الحصول على وعود زائفة بزيارة أو إطلاق سراح.

وفيما تغض القوى الدولية الطرف عن هذه الجرائم، تزداد نقمة الأهالي وإحباطهم من الصمت المطبق، معتبرين أن تجاهل ملف المختطفين والمخفيين قسرًا يمثل "خيانة إنسانية" بحق الضحايا. أحد أقارب المختطفين قال: "إذا كان العالم عاجزًا عن إنقاذ من يُعذبون خلف الجدران، فبأي حق يتحدث عن حقوق الإنسان؟"