من رهائن الإمام إلى مختطفي الحوثي.. لعنة السلالة تتكرر بأقسى صورها
صلاح الطاهري
في صفحات التاريخ اليمني، لا يغيب عن الذاكرة مشهد الإمام البائد أحمد حميد الدين، حين بدأ عرشه يتهاوى، فهرع إلى ممارسة آخر طقوس الغطرسة السياسية السلالية اختطاف الرهائن. لم يكن ذلك مجرد سلوك انتقامي، بل سياسة ممنهجة لضمان بقاء الطاعة بقوة الرهبة، لا الرغبة. أخذ من كل قبيلة شيخها، ومن كل بيت وجيهه، ظناً منه أن اليمنيين لا يثورون وأحباؤهم في القيد.
لكن التاريخ كعادته لا يرحم الطغاة، وسقطت الإمامة رغم ما أوثقته من سلاسل.
واليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، تُستعاد ذات الجريمة، ولكن بنسخة أكثر احترافاً في الظلم، وأشد وقاحة في العلانية. مليشيا الحوثي - الوريثة الروحية والدموية للإمام السلالي البائد، تمارس ذات الفعل، ولكن بلون جديد اختطاف النخب السياسية والكفاءات، من أساتذة الجامعات، والمعلمين إلى الصحفيين، والحقوقيين، والدعاة، بل حتى الطلاب والمتفوقين. لم تعد الرهينة مجرد شيخ قبلي يُحتجز ليردع قبيلته، بل صار المختطف اليوم هو العقل اليمني الحر، الذي يُخشى منطقه، وتُرعب كلمته.
أي ارتداد حضاري نعيشه؟ وأي لعنة تاريخية لم تنتهِ بعد؟
يختطف الحوثي أبناء إب وذمار والحديدة وصنعاء وتعز ليس لأنهم مجرمون، بل لأنهم يشكلون تهديداً لمشروعه السلالي المتعفن. يواريهم في زنازين سرية، أو يقايض بهم في صفقات سياسية، أو يضعهم دروعاً بشرية في مناطق عسكرية مكشوفة للغارات، غير آبه بمصيرهم، وكأنهم أرقام فائضة في دفتر دموي.
وفي ذات الوقت، لا تجد من سلالة الحكم الحوثي من يُزج به في السجون، أو يُدفع به إلى الجبهات، أو يُنتزع من بين أسرته بالقوة. فالقرب من السلالة تذكرة نجاة دائمة، حتى وإن كنت أفشل خلق الله.
الرهائن أيام الإمام كانت وسيلة للردع، أما المختطفون في زمن الحوثي فهم وسيلة لإسكات العقل، وتدمير البنية الوطنية، ومصادرة الحلم اليمني بالدولة والمواطنة والعدالة.
الفرق أن الإمام كان يختطف علناً… أما الحوثي فيختطف باسم القانون، وتحت لافتات مزيفة: خلايا، مرتزقة، منافقون، وعملاء العدوان هي نفس التهم التي كان يسوقها الطغاة قبل أن تبتلعهم صرخة الشعب.
ختامًا، إذا كان الإمام البائد قد سقط رغم رهائنه، فليطمئن عبدالملك الحوثي: لا قيد يدوم، ولا زعيم يعيش أبد الدهر فوق معاناة الناس.
فالرصاصة لا تقتل الفكرة، لكن الكلمة الحرة قد تقتل الطغيان.