الجزية الحوثية.. تجارة الألم والابتزاز كأداة للتمويل
مطيع سعيد المخلافي
منذ انقلابها على الدولة اليمنية في العام 2014م، لم تكتف ميليشيا الحوثي الطائفية بنهب الثروات الوطنية والسيطرة على الإيرادات العامة، بل تجاوزت ذلك إلى استثمار معاناة المواطنين وتحويلها إلى وسيلة ممنهجة لجلب المال، في صورة لا أخلاقية من صور المتاجرة بالبشر والألم.
أحد أكثر أساليبها قبحاً ولا إنسانية، هو ما بات يعرف بالجزية التي تفرضها على أهالي المختطفين مقابل الإفراج عنهم. إذ تقوم الميليشيا بتوجيه تهم كيدية جاهزة لموظفين، سياسيين، إعلاميين، تجار، مشايخ، عسكريين، وحتى مواطنين عاديين، بتهم تتراوح بين التخابر مع العدوان الأمريكي الإسرائيلي أو التعاون مع التحالف العربي، أو حتى بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أو صورة على الهاتف المحمول. هذه التهم، رغم سخافتها وافتقارها لأي دليل قانوني، تُستخدم كذريعة لسلب الناس حريتهم وابتزاز ذويهم.
عائلات المختطفين، وبدافع القلق والخوف على مصير أحبائهم، تُجبر على الدخول في مفاوضات مع الميليشيا، التي تطالب بفدية ضخمة تصل في حدها الأدنى في أتفه التهم إلى عشرين ألف ريال سعودي، وتتصاعد وتزداد حسب أهمية المختطف ومكانته. وفي ظل انعدام أي منظومة قضائية عادلة، تصبح هذه الجزية أمراً واقعاً لا مهرب منه.
لكن الجزية ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من الموارد المالية التي تبتكرها الجماعة، حيث استثمرت كل تفاصيل الحياة العامة والخاصة، وحولت المناسبات الدينية، والقضايا الوطنية، وملفات التعليم والصحة، وحتى المساعدات الإنسانية، إلى أدوات للجباية والنهب بأساليب مختلفة كفرض الخمس على الأنشطة التجارية تحت غطاء ديني طائفي، والاتجار بالمخدرات والخمور، واستغلال المناسبات الدينية لجمع التبرعات قسراً من المواطنين، واحتكار المساعدات الإنسانية وبيعها في السوق السوداء، ونهب ممتلكات الدولة والقطاع الخاص بحجج واهية أو تحت ذريعة مصادرة أملاك العملاء وغيرها من الأساليب والمبررات التي تستخدمها المليشيات لنهب الممتلكات العامة والخاصة.
هذا التمدد في أساليب الابتزاز والنهب، يكشف أن ميليشيا الحوثي العنصرية لا تكتفي بالسيطرة السياسية، بل تسعى لتحويل اليمن إلى مزرعة خاصة لتمويل حروبها وأجندتها الطائفية.
وتُعد الاختطافات الممنهجة والمستمرة أحد أكثر الأدلة وضوحاً على ذلك، حيث تسجل منظمات حقوقية محلية ودولية أرقاماً قياسية في عدد المختطفين قسراً، ما يعكس حجم الأرباح التي تجنيها الميليشيا من هذه التجارة السوداء، فضلًا عن تأثيرها المدمر على النسيج الاجتماعي اليمني.
إن الجزية التي تفرضها الميليشيا على أهالي المختطفين ليست مجرد ابتزاز فردي، بل جزء من منظومة متكاملة تهدف إلى تمويل آلة الحرب الحوثية، وتكريس واقع الطغيان والفساد، في ظل غياب القانون والدولة.