في ذكرى تأسيس المؤتمر.. هذه يومي فسيروا في ضحاها
أحمد النويهي
في 24 من أغسطس، تحل علينا #الذكرى_43_لتاسيس_الموتمر الشعبي العام، التنظيم السياسي الذي لم يكن ظهوره عام 1982 مجرد إضافة جديدة إلى خارطة الأحزاب اليمنية، بل شكل نقطة تحول مفصلية في تاريخ اليمن الحديث.
ففي لحظة كان فيها الوطن بأمسّ الحاجة إلى رؤية جامعة توازن بين التعددية والوحدة، وبين الحداثة والأصالة، برز المؤتمر الشعبي العام، كمنصة وطنية واسعة احتضنت كل التيارات الفكرية والسياسية تحت سقف الجمهورية.
ومنذ لحظة التأسيس، بدا المؤتمر الشعبي العام مختلفا عن سائر الاحزاب والتنظيمات الاخرى. فقد وُلد من رحم ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، ليكون تجسيدا لفكرة وطنية خالصة، ومشروعا جامعا أراد أن يترجم الحلم اليمني في بناء دولة مدنية حديثة، من خلال المشاركة الشعبية والاعتدال السياسي. ولم يكن غريبًا أن يُشبه منذ وقت مبكر بـ"الشجرة الأصيلة التي غرست جذورها في تراب اليمن"، لما حمله من عمق اجتماعي وشعبي يتجاوز مجرد كونه حزبا سياسيا تقليديا ، ولذك قيل المؤتمر يشبه اليمنيين.
ركيزة الوحدة وبناء الدولة
كما لا يمكن الحديث عن المؤتمر دون التوقف عند دوره التاريخي في تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990. فالمؤتمر لم يكتف بالشعارات، بل تبنّى حوارًا وطنيا واسعا جمع 50 شخصية من مختلف التيارات، صاغوا الميثاق الوطني الذي اصبح بمثابة دستور أخلاقي وسياسي جديد.
ومن خلال ذلك الحوار، تحولت فكرة الوحدة من حلم بعيد المنال إلى واقع ملموس برفع العلم اليمني في عدن في 22 مايو 199.
الأكثر دلالة أن المؤتمر لم يكن متزمتا او مؤدلجا، رغم امتلاكه القوة الكاملة في مراحل مختلفة، لم ينغلق على ذاته، ولم يتعامل مع الوطن كغنيمة حزبية، بل انفتح على الشراكات والتحالفات، فلقد. كانت رسالته أن "الوطن أكبر من الحزب"، وأن المصلحة العليا لليمن تتقدم على أي مكسب سياسي ضيق.
هذا النهج التشاركي جسد جوهر مدرسة المؤتمر التي فضّلت الحوار على الصدام، والإجماع الوطني على الإقصاء.
وفي الجانب العملي، ارتبط اسم المؤتمر بمشروعات بناء الدولة من الجيش الوطني وبنية تحتية أساسية، إلى تعزيز المؤسسات المدنية وفتح المجال أمام التعددية الحزبية.
كانت تلك خطوات نقلت اليمن من مرحلة الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، ومن العمل السياسي السري إلى فضاء المشاركة العلنية.
المجتمع المدني.. شريك لا تابع
حضور المؤتمر الشعبي العام لم يقتصر على المشهد السياسي، بل امتد إلى بناء المجتمع المدني كأحد أعمدة الدولة الحديثة. فقد فتح الباب أمام المنظمات الأهلية، وسن تشريعات عززت حرية الصحافة، وأطلق فضاء جديدًا سمح للشباب والقيادات المحلية بالتعبير والعمل من دون قيود صارمة.
وجدير بالاشارة ان الدليل النظري للمؤتمر المتمثل بالميثاق الوطني لم يكن مجرد وثيقة سياسية، بل مشروعا اجتماعيا حاول أن يوازن بين الحرية والعدالة والمشاركة الشعبية.
هذا النهج أرسى مفهوم "المواطن الشريك" بدلًا من "المواطن التابع"، ليصبح المجتمع المدني ركيزة أساسية في صناعة القرار والتنمية.
مدرسة الحوار والاعتدال
وعلى امتداد 43 عامًا، حافظ المؤتمر الشعبي العام على صورة الحزب المدني بامتياز.. فقد ظل يفضل صناديق الاقتراع على فوهات البنادق، ويعالج خلافاته بالحوار لا بالعنف، ولم يمتلك ميليشيات خاصة به.
ورغم العواصف التي واجهها، من حرب صيف 1994 إلى أحداث الربيع العبري وما تلاها، ظل متمسكًا بالوسطية والاعتدال، رافضا الانجرار إلى التطرف أو الانغلاق الأيديولوجي كحال احزاب اخرى.
ولعل هذه المرونة هي سر بقائه، حيث استطاع التكيف مع متغيرات الداخل والخارج من دون أن يتخلى عن ثوابته. فالجمهورية والوحدة والديمقراطية كانت بالنسبة للمؤتمر "جبالًا راسيات" لم يسمح لأي انحراف أن يمسها.
وحتى عندما اضطر للتنازل عن السلطة وفقا للمبادرة الخليجية التي صاغها بنفسه في لحظات فارقة، قدّم ذلك باعتباره تضحية كبرى من أجل تجنيب الوطن شبح الانقسام والحرب الأهلية.
التضحيات والوفاء
لا يمكن إغفال البعد الإنساني في مسيرة المؤتمر. دماء قادته وشهدائه، وعلى رأسهم الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح والمناضل عبدالعزيز عبدالغني، صارت جزءًا من ذاكرة اليمنيين الجماعية. لم يكن استهدافهم مجرد اغتيال لقادة سياسيين، بل محاولة لضرب مشروع وطني كامل. لكن تلك الدماء تحولت إلى شعلة متقدة أعادت للمؤتمر زخمه كحصن منيع في وجه كل محاولات النيل من اليمن.
استمرارية العطاء وتحديات المستقبل
اليوم، وبعد مرور 43 عامًا، يواصل المؤتمر الشعبي العام إشعال شمعة جديدة في مسيرته، شمعة تُضيء للمواطنين درب الأمل وسط واقع مليء بالتحديات. ليس الاحتفال بهذه المناسبة مجرد وقفة رمزية، بل تجديد للعهد بمواصلة البناء، والانحياز لهموم الناس، والعمل على صياغة مستقبل يليق بتضحيات اليمنيين.
لقد أثبتت التجربة أن سر قوة المؤتمر يكمن في أصالته: فكر يمني خالص، حوار وطني شامل، وميثاق أجمع عليه الشعب.
ومع أن الطريق لا يزال مليئًا بالعقبات، إلا أن المؤتمر، بما يملكه من إرث وتجربة وشبكة شعبية واسعة، يظل أحد أبرز الضمانات لبقاء فكرة الدولة المدنية الحديثة في اليمن.
ختاماً.. في الذكرى 43 لتأسيسه، يقف المؤتمر الشعبي العام ليس كحزب سياسي فحسب، بل كذاكرة وطنية وتجربة ممتدة صنعت التحولات الكبرى في مسار اليمن. إنه المدرسة التي علّمت الأجيال أن صناديق الاقتراع أرقى من فوهات البنادق، وأن الاعتدال أقوى من التطرف، وأن الحوار أبقى من الصراع.
وإذا كان الماضي قد أثبت أن المؤتمر كان حجر الزاوية في بناء اليمن الموحد، فإن الحاضر والمستقبل يفرضان عليه مسؤولية مضاعفة.. أن يظل الشجرة الوارفة التي تحمي أحلام اليمنيين، والراية الوطنية التي لا تسقط، مهما تعاقبت العواصف.