المؤتمر.. الثابت الوطني في بيئة سياسية مضطربة

د. محمود اليمني*

تحل علينا الذكرى الـ43 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام، في ظل وضع داخلي مُعقد، متشابك المصالح والتحالفات النفعية بين كهنة الكهف وزنابيل المذهب، في بيئة سياسية مختلة الموازين ومضطربة التوجهات، خلت فيه الساحة من القوى السياسية المناهضة للحوثيين، بعد اجتياحهم للعاصمة صنعاء بقوة السلاح، وهروب شركائهم في ساحات الفوضى خارج البلاد، وفي هكذا مشهد سياسيي مضطرب، ظل المؤتمر ثابتاً وطنياً وحيداً في الداخل يقارع الفاشية الحوثية بكل السبل، بل حاول المؤتمر كبح جماح الجماعة وجرهم إلى مربع الشراكة عبر تحالف سياسي تكتيكي اضطراري مؤقت غايته الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة ومشروعية النظام الجمهوري، حيث شكل المؤتمر بثقله السياسي والجماهيري خلال فترة تحالفه مع الحوثيين التي لم تتجاوز السنة والنصف، حصناً منيعاً لحماية المجتمع من محاولات التدجين الطائفي، ومنع انهيار وحوثنة أجهزة الدولة وتفخيخ المناهج الدراسية، وكان للمؤتمر دور مشهود في إفشال مخططات المليشيا الرامية لفرض أجندتها وهويتها الطائفية الوافدة على اليمنيين في مناطق سلطتها الغاشمة، وساهم عبر قواعده الشعبية في تغذية الرفض الشعبي لسلوكيات وممارسات البطش الحوثي، وعندما أدرك المؤتمر استحالة احتواء السادية الحوثية، أعلن الشهيد الصالح الثورة ضدهم، وقاتل جحافل المليشيا الحوثية بمنتهى الشجاعة حتى ارتقى شهيداً شامخاً وهو يدافع عن كبرياء اليمن وكرامة اليمنيين.

بعد استشهاد الزعيم الصالح ورفيق دربه الأمين ومعهما ثلة من المقاتلين الأبطال ظن الحوثيون "وإن بعض الظن إثم" أنهم انتصروا على الشعب اليمني ونظامه الجمهوري الديمقراطي، لكنهم فوجئوا بتمدد ثورة 2 ديسمبر إلى الساحل الغربي ومأرب وتعز وغيرها من المحافظات والمناطق المحررة، حيث يستعد الأبطال لخوض معركة فاصلة مع أذناب الإمامة، ولولا ضعف وفساد الشرعية وتشطي قوى الصف الوطني واتفاق ستوكهولم المشئوم لكانت المعركة قد حُسمت بتحرير الحديدة عام 2018.

يناصب الحوثيون العداء الصريح للمؤتمر الشعبي العام وقيادته الوطنية والتاريخية ويرونه خصمهم السياسي والشعبي اللدود في الحاضر والمستقبل، لأنه باختصار تبنى النهج الديمقراطي منذ تأسيسه قبل 43 عاماً، وكرس هذا النهج في البيئة السياسية اليمنية "فكراً وسلوكاً وممارسة" على مدى 34 عاماً، شهد اليمن خلالها تسع دورات انتخابية "برلمانية ورئاسية ومحلية" اتسمت جميعها بالنزاهة بشهادة المجتمع الدولي، وهذا النهج المؤتمري ينسف خرافة الاصطفاء السلالي الذي يروج له الحوثيون لشرعنة انقلابهم على النظام الجمهوري.

يدرك الحوثيون تماماً أن المؤتمر الشعبي العام هو حزب اليمن الجمهوري الكبير، وهو أول تنظيم سياسي "يمني الهوى والهوية والانتماء" تم تأسيسه برؤية وطنية خالصة صاغها نخبة من أبناء اليمن يمثلون مختلف القوى والمكونات السياسية والفكرية، ويستمد المؤتمر شرعية عمله السياسي من ميثاقه الوطني الذي أُقر باستفتاء شعبي عام، لذلك اقترن اسم المؤتمر بالدولة والنظام والقانون والديمقراطية والحرية والأمن والأمان والاستقرار والتنمية والعدالة الاجتماعية، وهذا بحد ذاته يرعب الحوثيين كثيراً.

على مدار السنة تُقيم مليشيا الحوثي مئات الأنشطة والفعاليات الطائفية الدينية والفكرية، وتسخر لصالحها موارد ومقدرات وأجهزة الدولة المختطفة، وبالمقابل تحاول قدر استطاعتها منع الاحتفاء بالمناسبات الوطنية العامة كأعياد الثورة اليمنية "سبتمبر وأكتوبر، والوحدة" والمناسبات الخاصة السياسية منها والثقافية، لأن الاحتفاء بهذه المناسبات تمثل أحد مظاهر السخط والرفض الشعبي لتسلط واستبداد وفساد قادتها ومشرفيها، وهذه حقيقة واقعية يعلم الحوثيون بواعثها ودوافعها الوطنية.

تحت تهديد السلاح وحملات الترهيب والاختطافات والتحريض والوعيد التي مارسها الحوثيون ضد قيادات وكوادر المؤتمر في الداخل، تم إلغاء فعاليات الاحتفاء بالذكرى الـ43 لتأسيس المؤتمر، وما لم تدركه الميليشيا أن هذا التعسف الانتقامي الأرعن بحق المؤتمر والمؤتمريين زاد من زخم الاحتفاء الجماهيري بالمناسبة، وبدلاً من أن يكون الاحتفاء محصوراً في قاعة مغلقة، انتقل إلى فضاء عمومي مفتوح عبر منصات التواصل الاجتماعي التي ضجت بالمنشورات الاحتفائية من نشطاء المؤتمر ومعهم كل الأصوات الحُرة من المكونات الوطنية الأخرى المناوئة للحوثيين من داخل وخارج جغرافية اليمن الجمهوري، أما مسألة إلغاء الاحتفاء الرمزي في الداخل فيؤكد للشعب اليمني حقيقة أن الحوثيين مجرد ميليشيا لا تؤمن بمبدأ الشراكة ولا التعايش، كما لا تقبل بالصوت الوطني الحُر الشريف الذي يمثله المؤتمر الشعبي العام.

* باحث في الاتصال السياسي