سياسة الاختطاف الحوثية.. نهج منظم لفرض السيطرة وتقويض العمل الإنساني

في ظل سيطرتها على مناطق واسعة في اليمن، تواصل مليشيات الحوثي نهجها القمعي الذي يتجلى في حملات الاختطاف الممنهجة ضد المدنيين والناشطين والصحفيين والعاملين في منظمات الإغاثة الإنسانية، بالإضافة إلى نخب المجتمع المحلي من معلمين وأكاديميين ووجاهات اجتماعية.

هذه الممارسات ليست مجرد أفعال عشوائية، بل تشكل جزءاً من استراتيجية ممنهجة تهدف إلى زرع الخوف وترهيب السكان وإخضاعهم لسلطة المليشيا المطلقة، وضمان عدم وجود أي صوت معارض أو نقد علني لسياساتها.

يشير المتابعون للشأن اليمني إلى أن المليشيات لم تعد تقتصر في اختطافاتها على خصومها السياسيين أو العسكريين فحسب، بل توسعت لتشمل ناشطين حقوقيين، وصحفيين مستقلين، وموظفين في المنظمات الإنسانية الدولية، في محاولة لفرض رقابة صارمة على كل أشكال التعبير وإيقاف أي جهود توثق الانتهاكات أو تنتقد سياساتها. ويتضح من هذه السياسة أن الهدف الأول والأخير للحوثيين هو ترسيخ النفوذ وإشعار المجتمع المحلي بأن أي معارضة قد تعرضهم للمساءلة القاسية والاختطاف، وهو ما يخلق بيئة مستمرة من الرعب وعدم الثقة بين المواطنين وأجهزة السلطة المحلية التي تديرها المليشيا.

الاختطافات كأداة للضغط السياسي والمفاوضات

لم تقتصر اختطافات الحوثيين على الترهيب الداخلي، بل أصبحت أداة للمساومات السياسية على المستويين الإقليمي والدولي. فقد اعتمدت المليشيات في السنوات الأخيرة على اختطاف موظفي المنظمات الدولية والأمم المتحدة لتحقيق مكاسب تفاوضية مع الحكومة الشرعية، أو للضغط على المجتمع الدولي للقبول بمتطلبات سياسية أو عسكرية محددة، بما في ذلك تسهيلات مالية أو اعترافات سياسية تُسهم في تعزيز موقف المليشيا على الأرض.

حوادث اختطاف موظفين أمميين، على سبيل المثال، تجسد بوضوح هذه السياسة. فقد سجلت تقارير أممية وأخبار محلية متعددة حالات اختطاف أو احتجاز قسري لعاملين في وكالات الإغاثة مثل برنامج الأغذية العالمي وموظفين في الصندوق الاجتماعي للتنمية ووكالات الأمم المتحدة الأخرى. بل وصل الأمر في بعض الحالات إلى اتهام موظفين في منظمات محلية ودولية بالتخابر والتجسس، وإصدار أحكام بالإعدام بحقهم، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، ويزيد من تعقيد أي جهود لإنقاذ المختطفين أو حماية المدنيين.

تبرر المليشيات هذه الانتهاكات غالبًا بمزاعم أمنية، لكنها في الواقع تستخدمها كورقة تفاوضية لتحقيق أهدافها السياسية، سواء كانت الحصول على تسهيلات مالية، أو استقطاب دعم سياسي، أو دفع الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي للتعامل معها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية محتملة. ويؤكد محللون سياسيون أن هذه الممارسات ليست مجرد استراتيجية وقتية، بل جزء من رؤية جماعية للحوثيين لتعزيز وجودهم عبر استخدام وسائل القوة والترهيب، مع الاعتماد على الاختطافات كورقة ضغط، ما يجعل كل طرف محلي أو دولي مضطرًا للتعامل معها وفق شروط الجماعة، بدلًا من فرض إرادة القانون والشرعية.

أثر الانتهاكات على المجتمع المدني

تترتب على هذه السياسة الانتهاكات المتعددة آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية بالغة الخطورة. فخوف المدنيين من الاختطاف يعوق الأنشطة المدنية والتنموية، ويحد من قدرة المنظمات الدولية على تقديم خدماتها الحيوية، بما في ذلك المساعدات الغذائية والصحية والتعليمية، ويؤدي إلى تراجع كبير في المشاركة المجتمعية في المبادرات الإنسانية والمشاريع التنموية.

الناجون من الاختطاف أو الذين تعرضوا للاختطاف القصير يعكسون في شهاداتهم حالة من الرعب النفسي الدائم، حيث يتحدثون عن طرق التعذيب، والتهديد بالقتل، والاحتجاز لفترات طويلة دون محاكمة أو توجيه اتهام محدد. كما أن العائلات تعيش في قلق مستمر، خاصة أن الحوثيين غالبًا لا يبلغون السلطات المحلية أو الأسر بمكان احتجاز المختطفين، ما يفاقم من معاناة المدنيين ويخلق بيئة من الخوف والارتباك المستمرين.

ويشير ناشطون حقوقيون إلى أن استمرار هذه الممارسات يعكس فشل المجتمع الدولي في فرض آليات حماية فعالة، إضافة إلى ضعف قدرة الحكومة الشرعية على استرداد حقوق المختطفين، ما يجعل الحوثيين يشعرون بأنهم يعملون فوق القانون، وأن أي اعتداء أو انتهاك لن يواجه بعقوبة حقيقية. هذا الواقع يخلق شعورًا دائمًا بالإفلات من العقاب ويحفز الجماعة على تصعيد ممارساتها دون حساب للعواقب الإنسانية أو القانونية.

الأسباب الاستراتيجية وراء التصعيد

تحليل أسباب استمرار هذه الممارسات يكشف أن الحوثيين يحققون من خلالها عدة أهداف استراتيجية متداخلة. أولها تعزيز قبضتهم على المناطق الخاضعة لسيطرتهم عبر زرع الخوف والسيطرة على الحياة اليومية للمواطنين، سواء عبر الاختطافات العشوائية أو المداهمات الليلية، أو استهداف رموز المجتمع المدني والمثقفين. ثانيها استخدام الاختطافات كأداة ضغط على الحكومة الشرعية لضمان تنفيذ شروطها، سواء في مسألة تبادل الأسرى أو الحصول على دعم سياسي واقتصادي من الأطراف الإقليمية والدولية.

ثالثها استثمار الانتهاكات في الإعلام والدعاية، إذ تُستغل هذه الحالات لتسويق روايات الجماعة أمام الرأي العام المحلي والدولي، وكأنها تتعامل مع تهديدات أمنية، بينما الواقع يشير إلى أنها أداة للابتزاز السياسي والمساومات الميدانية. هذا الاستخدام المزدوج للانتهاكات يضاعف من تعقيد أي جهود تهدف إلى وقفها، ويجعل أي تحرك من قبل الحكومة الشرعية أو المجتمع الدولي رهينة لردود فعل الجماعة ومصالحها الخاصة.

المناخ الدولي والمجتمع الإقليمي

تأتي هذه الانتهاكات في سياق بيئة دولية وإقليمية معقدة، حيث يسعى الحوثيون لاستغلال الانقسامات والتناقضات الإقليمية لتحقيق مكاسب سياسية على الأرض. فالمجتمع الدولي، رغم إداناته المستمرة، يفتقد غالبًا إلى آليات ضغط فعالة لوقف هذه الممارسات، بينما تستخدم الجماعة هذه الثغرات لتحقيق مكاسب، سواء عبر المفاوضات المباشرة أو عبر توجيه رسائل واضحة عن قوتها وسيطرتها على مناطق النزاع.

تحديات الحكومة الشرعية والمنظمات الإنسانية

تواجه الحكومة الشرعية تحديات جسيمة في حماية المدنيين وإيقاف الانتهاكات، خاصة مع محدودية الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ما يجعل أي جهود قضائية أو قانونية شبه مستحيلة. كما أن المنظمات الإنسانية، رغم دورها الحيوي، غالبًا ما تجد نفسها تحت تهديد مباشر، حيث يُحتجز موظفوها ويُستخدمون كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، ما يعطل عملها ويؤثر سلبًا على فئات واسعة من المستفيدين.

هذا الواقع يفرض على المجتمع الدولي إعادة النظر في استراتيجياته للتعامل مع الحوثيين، بحيث تتضمن حماية المدنيين وفرض عقوبات فعلية على الانتهاكات، ودعم الحكومة الشرعية في فرض القانون والعدالة، مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون تعريض الموظفين للخطر.

منهجية وسياسة الاختطافات

سياسة الاختطافات التي تنتهجها ميليشيات الحوثي ليست مجرد أفعال عشوائية، بل أداة استراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى السيطرة الداخلية، وزرع الخوف بين السكان، وفرض إرادة الجماعة على المجتمع الدولي والحكومة الشرعية. استخدام هذه الممارسات كورقة تفاوضية يعكس بوضوح اعتماد الحوثيين على أدوات القمع والترهيب لتحقيق مكاسب سياسية، ما يجعل المجتمع المحلي في مأزق مستمر ويزيد من صعوبة جهود السلام والاستقرار في اليمن.

يظل التحدي الأكبر أمام اليمنيين والمجتمع الدولي هو إيجاد آليات فعالة لمواجهة هذه الانتهاكات، وحماية المدنيين، وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، مع الحفاظ على قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم خدماتها الحيوية دون التعرض للاختطاف أو التهديد. وفي غياب استجابة حقيقية، سيستمر الحوثيون في استخدام سياسة الاختطاف كورقة ضغط، ما يجعل أي حل سياسي أو إنساني هشًا ومعرضًا للفشل في ظل هذه البيئة القمعية المعقدة، ويجعل من اليمن ساحة مفتوحة لمزيد من الانتهاكات والابتزاز السياسي على حساب المدنيين الأبرياء.