"إثيوبيا مذعورة".. عاصفة ردود مصرية بعد البيان الهجومي ضد القاهرة
أثار بيان إثيوبيا الذي أصدرته أمس وشهد هجوما شديدا على مصر بسبب سد النهضة والتحركات في منطقة القرن الإفريقي، عاصفة ردود مصرية بسبب ما حمله البيان من لهجة شديدة وكلمات لاذعة.
واعتبر خبراء وبرلمانيون وقانونيون مصريون، أن البيان "خارج عن كل حدود اللياقة ويكشف عن ذعر إثيوبي من التحركات المصرية"، فضلا عما حمله من معلومات مغلوطة واتهامات "كاذبة" لمصر.
وقال وزير الري المصري الأسبق محمد نصر الدين علام، إن "ردود أفعال أثيوبيا يشوبها عدم احترام القانون الدولي، والتنصل من التزاماتها وعدم احترام لأشقائها الأفارقة"، مشددا على أن القانون الدولي ينص على عدم إقامة أية منشأ على نهر دولي إلا بعد إخطار مسبق للدول المشاركة في النهر والتأكد من عدم الإضرار بها.
وأكد الوزير المصري السابق، أن "إثيوبيا أقامت عشرات المنشآت على النيل الأزرق وروافده بدون إخطار دول النهر أو التأكيد بعدم الإضرار بهم"، مبديا تعجبه من انتقاد إثيوبيا مطالبة مصر بحقوقها التاريخية في نهر النيل، مضيفا أن إثيوبيا لم تخطر مصر بسدها واستغلت ظروفها الداخلية في عام 2011 ووضعت حجر الأساس عنوة. ومنذ ذلك الحين جرت جولات مفاوضات بدون طائل، وتعهدت أثيوبيا بدراسة تداعيات السد على مصر والسودان.
فيما قال عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة، إن "تصريحات إثيوبية خادعة وتعكس وذعرا من التواجد المصري في القرن الإفريقي، واصفا البيان بأنه "امتلأ بالاتهامات والادعاءات الكاذبة والمعلومات الخاطئة" حول رفض مصر للمفاوضات والحديث عن اتفاقيات "الحقبة الاستعمارية".
رفض مصري لاتهامات رفض الحوار
وأكد شراقي، أن اتهام إثيوبيا برفض مصر للحوار، هو أمر "عار تماما عن الصحة"، موضحا أن مصر منذ وضع حجر الأساس لسد النهضة في أبريل 2011، بدأت في الحوار بزيارة الدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر السابق إلى أديس أبابا، في يوليو من نفس العام، كما تم تشكيل لجنة دولية وعقد مفاوضات مباشرة لتحقيق توصيات اللجنة، فضلا عن تشكيل لجان ثلاثية وسداسية وتساعية، كما جرت مفاوضات برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، وأخرى برعاية الاتحاد الإفريقي، ثم جرت محاولة أخرى لإنقاذ المفاوضات في عام 2023 وفشلت كذلك وسط "التعنت الإثيوبي".
من جهته، قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، إن البيان الإثيوبي يكشف بوضوح أن أديس أبابا تدرك تماما ضعف موقفها القانوني، لذلك تلجأ إلى قلب الحقائق والاتهامات الباطلة بدلا من الالتزام بالقانون الدولي والاتفاقيات الموقعة، داعيا المجتمع الدولي للتدخل العاجل لإجبار إثيوبيا على احترام التزاماتها القانونية وحماية حقوق دول المصب المشروعة، وضرورة الوصول إلى اتفاق قانون ملزم بشان مواعيد الملء والتشغيل للسد، والحفاظ علي حقوق الأجيال القادمة.
واعتبر مهران، أن اتهام إثيوبيا لمصر بعرقلة المفاوضات "يتناقض تماما مع المادة العاشرة من إعلان المبادئ، بينما "إثيوبيا هي التي رفضت كافة الآليات القانونية الملزمة التي اقترحتها مصر على مدار 15 عاما من المفاوضات".
السيادة على النيل
ولفت مهران إلى أن ادعاء إثيوبيا بأن لها حقا سياديا مطلقا في استخدام مياه النيل بحجة مساهمتها بنسبة 86% يتعارض تماما مع المادة السابعة من الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997، التي تنص على التزام دول المجرى المائي بعدم التسبب في ضرر ذي شأن لدول المجرى المائي الأخرى، مشددا على أن هذا المبدأ يعلو على أي ادعاءات بالسيادة المطلقة.
بينما أوضح شراقي، خبير الموارد المائية، أن البيان الإثيوبي احتوى على مغالطات منها أن النيل الأزرق وحده يشكل 86% من مياه النيل، بينما الحقيقة أن إيراد النيل الأزرق 50 مليار متر مكعب سنويا أي 60% من إيراد النيل السنوي عند السد العالي، كما يشكل 41% من إجمالي المياه السطحية في إثيوبيا من جميع الأنهار، مبديا تعجبه من الحديث عن احتكار مصر لمياه النيل وهي دولة مصب تقع في نهايته النهر وتستقبل بقايا مياه الأمطار فقط.
وشدد على أن الأنهار الدولية ليست ملكية خاصة للتصرف فيها ولكنها أنهار مشتركة خاضعة للاتفاقيات والأعراف الدولية، واستغلالها يتم بعد اجراءات قانونية أهما الإخطار المسبق وعدم الضرر.
اتفاقيات الحقبة الاستعمارية
ونوه شراقي، إلى أن إنكار إثيوبيا للاتفاقيات التاريخية بحجة أنها وقعت إبان الاستعمار، يعد مبدأ مخالفا للقوانين الدولية والأمم المتحدة التي دعت جميع الدول الأعضاء إلى الالتزام بجميع الاتفاقيات التي أبرمت في عهد الاستعمار لأن معظمها خاص بالحدود والمياه، ومناقشتها مرة أخرى سيوقع معظم دول العالم في حروب مستمرة.
وبين مصر وإثيوبيا 6 اتفاقيات تاريخة لا يجوز إلغائها من طرف واحد أبرمت في أعوام 1891، 1902، 1906، 1925، 1993، 2015، وفقا لشراقي، موضحا أن "إثيوبيا لم تستعمر من قبل سوى بعض السنوات من إيطاليا ولم يعقد خلالها أية اتفاقيات".
فيما أكد أستاذ القانون الدولي محمود مهران، أن وصف إثيوبيا للحقوق المائية المصرية بأنها قائمة على معاهدات استعمارية يمثل تجاهلا متعمدا للمادة الرابعة من الاتفاقية الإطارية التي تنص على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، والذي يأخذ في الاعتبار الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لدول المجرى المائي والسكان الذين يعتمدون على المجرى المائي، موضحا أن 115 مليون مصري يعتمدون كليا على مياه النيل وهذا واقع لا يمكن تجاهله بادعاءات الاستعمار.
مزاعم التهديدات المصرية لإثيوبيا
ونوّه الدكتور مهران إلى أن اتهام إثيوبيا لمصر بالتهديدات المبطنة يتجاهل تماما التصرفات الإثيوبية في المنطقة ومحاولات السيطرة والتوسعات الاستعمارية التي تخالف القانون الدولي، معتبرا أن إثيوبيا بتصرفاتها "غير المشروعة" تهدد الأمن والسلم الدوليين.
وأكد حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي وأنه جزء أصيل من سيادتها الوطنية المحمية بالقانون الدولي، وأن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تكفل حق الدول في الدفاع الشرعي عن النفس في مواجهة التهديدات الوجودية.
وذكر أن دعوة البيان الإثيوبي للحوار البناء تتعارض مع سلوك إثيوبيا الفعلي على مدار السنوات الماضية، مشيرا إلى مبدأ بناء الثقة، والذي يتطلب من الدول المتشاطئة العمل بحسن نية والتزام مبدأ التعاون، موضحا أن إثيوبيا انتهكت هذا المبدأ بشكل منهجي من خلال الإجراءات الأحادية والتصريف غير المنسق الذي تسبب في فيضانات السودان الأخيرة.
فيما قال شراقي، إن هذه الاتهامات الإثيوبية لمصر بأنها تهددها "أمر غير صحيح"، مضيفا أن "المسئولين في مصر يتحدثون بدبلوماسية شديدة والتصريحات متزنة ولم تخرج عن حق مصر فى الدفاع عن مصالحها المائية وفقًا لما يكفله القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بينما في المقابل كانت تصريحات إثيوبيا غير مسئولة بالتهديد المباشر لرئيس الوزراء الإثيوبي في ديسمبر 2019 حول إمكانية تجنيد مليون شخص لحرب محتملة مع مصر، وتصريحات رئيس الأركان الإثيوبي فى مارس 2020، حول استعداد الجيش الإثيوبي للرد على أي هجوم عسكري يستهدف سد النهضة، وغيره من التصريحات المباشرة".