الزيدية وتحريف القرآن: النص الذي يكشف المستور.. "دراسة موجزة في دلالات نص القاسم بن إبراهيم الرسي"
يُعَدّ الكاهن القاسم بن إبراهيم الرسي (ت 246هـ) أحد أبرز المؤسسين للنظرية الزيدية الهادوية في اليمن، وتُعدّ نصوصه ضمن أهم مصادر التكوين العقدي المبكر لهذه المدرسة.
ومن بين النصوص اللافتة التي تثير إشكالات عقدية ومنهجية خطيرة، ما ورد في “مسائله” حول وجود مصحف منسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب.
يقول القاسم:
"رأيت المصحف بخط علي بن أبي طالب… وهو كما أنزل، وهو عند بعض ولد الحسن، وإن ظهر الإمام فستقرؤونه، وليس بين ذلك وبين الذي في أيدينا زيادة ولا نقصان، إلا مثل: قاتلوا اقتلوا وأشباهه."
(مجموع الإمام القاسم، مسألة 229، ص 631)
هذا النص يستدعي مقاربة تحليلية هادئة، لما يتضمنه من دلالات تتجاوز الجانب التاريخي إلى البنية العقدية والفكرية في المذهب الزيدي الهادوي.
أولاً: مفهوم "المصحف المخفي" وحصره في السلالة
يشير القاسم إلى وجود مصحف مكتوب بخط الإمام علي محفوظ لدى “بعض ولد الحسن”، وهذا الحصر السلالي يطرح سؤالا جوهريا:
لماذا يكون المصحف، إن كان مطابقا لمصحف المسلمين، حكرا على بيت محدد وليس لجميع المسلمين؟
هذا الادعاء يفتح مجالا لمفهوم القرآن المخفي لدى الإمام الغائب، وهو مفهوم يتقاطع مع الفكرة الإمامية حول مصحف علي وارتباطه بورثة الإمامة.
ثانياً: وصف المصحف بأنه "كما أُنزل"
تعليق القاسم بأن هذا المصحف "كما أُنزل" يعني، ضمنيا، وجود فروق بينه وبين المصحف المتداول، إذ لا معنى لتخصيص هذا الوصف إلا إذا كان يرى أن القرآن الموجود لا يُجسّد نصّ التنزيل الأصلي بصورة كاملة.
هذا الوصف يتجاوز الادعاء التاريخي ليصل إلى تصور عقدي حول النص القرآني، وهو ما يقربه من مقولات الإمامية حول اختلاف ترتيب السور والآيات، ومحو آيات تثبت الحق لعلي او تذكر مساوئ الصحابة كما يزعمون وهو ما ردده اكثر من كاهن زيدي وآخرهم ما ذكره محمد عبدالعظيم الحوثي في الفيديو المرفق، وأن كل ذلك مذكور في مصحف علي.
ثالثاً: ربط ظهور المصحف بظهور الإمام
قول القاسم: "وإن ظهر الإمام فستقرؤونه" يعكس تصورا لاهوتيا يعتبر أن النص القرآني الكامل مرتبط بظهور إمام معيّن، وهو تصور يحمل بُعدا مهدويا متطابق مع خطاب الاثنا عشرية حول المصحف الذي يظهر مع الإمام الغائب.
ويُطرح هنا سؤال بديهيا مباشرا:
إذا كان القرآن المتداول كاملا محفوظا، فلماذا يرتبط ظهور "المصحف الصحيح" بظهور الإمام؟
رابعاً: الاعتراف باختلافات نصية
إقراره بأن الاختلافات بين المصحفين "لا تتجاوز مثل: قاتلوا اقتلوا وأشباهه" هو اعتراف صريح بوجود فروق في الألفاظ، والبحث العقدي يقرر أن القول باختلاف، مهما صغر، هو قولٌ بـ التحريف الجزئي، لأن التحريف يُعرَّف بأنه: الزيادة أو النقصان أو التبديل في ألفاظ النص.
وهذا لوحده ينسف الادعاء الزيدي بأن المذهب الهادوي خال من أي قول بالتحريف.
والخلاصة أن نص القاسم الرسي يكشف وجود تصور مبكر في الفكر الزيدي الهادوي عن مصحف سلالي خاص محفوظ في حوزة السلالة، كما أن النص يقرّ بوجود اختلافات لفظية بين المصحف المتداول ومصحف علي، والربط بين إظهار المصحف وظهور إمام يرسّخ رؤية لاهوتية ذات بعد مهدوي.
هذه المعطيات تشكل – في مجموعها، قولا حاسما بالتحريف، أو على الأقل تصورا لعدم اكتمال النص القرآني المتداول مقارنة بالنص المرجعي المزعوم.
وبذلك، فإن هذا النص يمثّل أحد أهم الشواهد التي تكشف البنية المضمرة للموروث الهادوي المبكر، وتضع سؤال تحريف القرآن داخل الزيدية على طاولة البحث العلمي بجدية ووضوح.