إب تنزف أبناءها.. معلمون وكهول وأطفال يغادرون بحثاً عن حياة ممكنة
تحولت محافظة إب، التي كانت تُعرف باللواء الأخضر ومقصداً للاستقرار، إلى مصدر نزوح متسارع لكافة فئاتها الاجتماعية، في موجات هجرة داخلية وخارجية غير مسبوقة. النزوح من إب لم يعد اختياراً للباحث عن عمل، بل تحول إلى هجرة قسرية تحت ضغط الانهيار الاقتصادي والممارسات القمعية، ليطول كبار السن والمعلمين والأطفال الذين يُغادرون المحافظة سعياً وراء العيش والأمان.
تُشكل الأزمة الاقتصادية وتوقف صرف المرتبات رأس حربة عوامل الطرد، حيث أدت سياسة انقطاع المرتبات إلى انهيار الطبقة الوسطى، مما دفع فئات لم تعتد الهجرة يوماً إلى ركوب قوارب الغربة.
وقد وثقت مصادر محلية حالات لمعلمين، الذين كانوا رمزاً للاستقرار الوظيفي، يتركون مهنة التعليم ويتهربون إلى السعودية أو المناطق المحررة للعمل في مهن لا تتناسب ومؤهلاتهم، مما يمثل نزيفاً للعقول وخسارة لمستقبل التعليم. كما طالت الأزمة فئة كبار السن في الخمسينيات من أعمارهم، الذين اضطروا للبحث عن عمل شاق في المملكة العربية السعودية أو محافظات أخرى، بعد ضياع مدخرات العمر وعدم وجود أي ضمان اجتماعي، أو مصدر دخل لهم ولأسرهم، في دليل على غياب الأمان الاقتصادي الكامل في المحافظة.
لا يقتصر النزوح على الدافع الاقتصادي فقط، بل يتفاقم بسبب الممارسات القمعية لمليشيات الحوثي، التي تُشكل بيئة طاردة لا تُطاق. ففي الوقت الذي يُجبر أبناء إب، من نخب ومعلمين وكبار وصغار، على ترك محافظتهم والنزوح والتهريب لدول الجوار بحثاً عن لقمة العيش، تأتي قيادات وعناصر من ميليشيات الحوثي من صعدة وعمران ومن خارج المحافظة لتتولى أمر إب. هذه العناصر تعمل على نهب المحافظة وتفرض الجبايات وتستولي على الحقوق وتظلم الناس، وتعيش في أريحية تامة.
وصف ناشطون هذه القيادات بأنها باتت تمثل "مغتربون في إب"، حيث يحصلون على المال عبر الابتزاز والقضايا والمكاتب المختلفة، بينما يُجبر أهل المحافظة الأصليون على الاغتراب القسري خارجها. هذا التناقض الحاد يزيد من حالة اليأس ويدفع المزيد من الأسر للهروب.
وقد أدت هذه الممارسات إلى ظاهرة مأساوية هي هجرة الأطفال القسرية؛ حيث يترك الأطفال والمراهقون دراستهم الثانوية أو المتوسطة، ويُدفعون من قِبل عائلاتهم للتهريب إلى السعودية أو العمل في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، سعياً وراء توفير لقمة العيش وهروباً من المصير المجهول الذي ينتظرهم داخل المحافظة.
إن هذا النزوح المتسارع يمثل نزيفاً للكفاءات ورؤوس الأموال، وتهديداً مباشراً للنسيج الاجتماعي والتعليمي في المحافظة، مما يكرس استمرار دورة الفقر والصراع للأجيال القادمة.