عرش مأرب على مهبّ ريح الجرحى.. مصادر عسكرية واستخباراتية: صمت وتواطؤ "الرئاسي والدفاع" يهدد آخر معاقل الجمهورية (تقرير)
تعيش السلطة المحلية والعسكرية في محافظة مأرب (شمال شرقي اليمن) على صفيحٍ ساخن، جراء تصاعد موجة الغضب بين جرحى وزارة الدفاع، الذين باتت مطالبهم الحقوقية تهدد استقرار المحافظة وسلطة الحكم فيها، في ظلّ تغافل رسمي متواصل، وانشغال القيادات برعاية الأقارب والمقرّبين، وفقاً لمصادر عسكرية واستخباراتية تحدثت لـ"خبر للأنباء".
لليوم الرابع على التوالي، يواصل مئات من جرحى القوات الحكومية اعتصامهم المفتوح أمام دار رعاية الشهداء والجرحى في مأرب، احتجاجاً على انقطاع رواتبهم وإكرامياتهم منذ أكثر من خمسة أشهر، وسط غياب أي استجابة حكومية تلامس معاناتهم المتفاقمة.
ونصب الجرحى خيامهم في الساحة المقابلة للمؤسسة الحكومية، مؤكدين أن تحركهم يأتي في إطارٍ سلمي للدفاع عن حقوقهم المشروعة والمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية أسوة ببقية التشكيلات العسكرية التي ما تزال تتلقى رواتبها بانتظام.
وعلى الرغم من أن المئات من هؤلاء الجرحى فقدوا أطرافهم في معارك شرسة ضد مليشيا الحوثي خلال عقدٍ كامل من القتال، فإن عشراتٍ منهم – وربما مئات – ما يزالون يرقدون على أسرّة المرض، يعانون من إصاباتٍ خطيرة تحولت لدى بعضهم إلى شللٍ نصفي أو كلي نتيجة الإهمال الحكومي والطبي، لتتحول حياتهم إلى مأساةٍ يومية عنوانها العجز والحرمان.
معاناة تفوق حدود الإصابة
يؤكد المعتصمون الذين لا يزال يتوافد إليهم العشرات من الجرحى وذوي الشهداء في مشهد ينذر بخطر التصعيد حال عدم تداركه، أن أوضاعهم المعيشية وصلت إلى مستوياتٍ كارثية، فالإصابة التي لحقت بهم لم تكن آخر معاناتهم، بل كانت بداية رحلة طويلة مع الفقر والجوع وارتفاع أسعار الدواء وعجزهم عن إعالة أسرهم.
يقول الجريح سلطان الطلقي في حديث لوسائل الإعلام: "نحن لا نطلب المستحيل، نريد فقط رواتبنا التي انقطعت منذ أشهر. الغلاء ينهشنا، والحكومة تتجاهلنا. توحيد الرواتب مطلبٌ عادل لتوحيد الصفوف."
أما النقيب حكيم الشرف الجرادي، فأكد أن الاعتصام سيستمر حتى تلبية المطالب، قائلاً: "قدّمنا أرواحنا وأجسادنا في سبيل الوطن، وكان الأولى أن نُكرَّم لا أن نُترك نتسوّل حقوقنا."
من جانبه، عبّر الدكتور محمد الجعدان، الأمين العام لرابطة الجرحى، عن استيائه قائلاً: "مكان الجرحى فوق الرؤوس، لا في الشوارع بحثاً عن حقوقهم."
تجاهل رسمي واتهامات متبادلة
يرى مراقبون أن هذا الخروج الغاضب لم يكن مفاجئاً، إذ سبقته وقفات احتجاجية عدة خلال السنوات الماضية رفعت المطالب ذاتها دون أن تلقى استجابة تُذكر.
غير أن اللافت، بحسب مصادر من داخل وزارة الدفاع، هو استمرار التجاهل الرسمي وترحيل الأزمة من مرحلة إلى أخرى عبر حلولٍ جزئية لا تمسّ جوهر المشكلة، ما يثير شكوكاً حول نوايا بعض القيادات المتنفذة في الوزارة.
ووصف المحامي مصطفى العلفي التجاهل الحكومي للمطالب بأنه "جريمة أخلاقية وإنسانية"، منتقداً غياب أي تحرك رسمي لمعالجة الأزمة.
وأكد المعتصمون في بيانٍ لهم أن تحركهم سلميّ ويهدف إلى إيصال صوتهم والحفاظ على كرامتهم، مشيرين إلى أن معركتهم اليوم ليست في الجبهات، بل في الدفاع عن حقوقهم.
وردّاً على اتهاماتٍ مبطّنة من داخل الوزارة بأن جهات خارجية تحرضهم، قالوا: "الوفاء لا يسقط بالتقادم، والجرح الذي نزف لأجل الوطن لا يُمحى من ذاكرة التاريخ."
تحذيرات حقوقية واستخباراتية
رأت مصادر حقوقية أن تجاهل الحكومة لمطالب الجرحى يفتح الباب واسعاً أمام مليشيا الحوثي لاستثمار القضية في التحريض والتعبئة، ومحاولة استقطاب الساخطين أو استغلال الوضع لشنّ هجماتٍ نفسية ومعنوية على مأرب.
وقال مصدر مسؤول في وزارة الدفاع – فضّل عدم ذكر اسمه – إن إهمال الجرحى وأسر الشهداء يُعد "خدمة مجانية لمليشيا الحوثي الإرهابية"، التي تسعى لإضعاف المؤسسة العسكرية من الداخل.
وأشار المصدر إلى أن هناك "أذرعاً تعمل داخل بعض مؤسسات الدولة لصالح أجندة المليشيا المدعومة من إيران"، ما يهدد بتفكيك الجبهة الداخلية في مأرب، آخر معاقل الجمهورية، وهو ما لا يعفي التحالف العربي بقيادة السعودية من مسؤوليته في مجابهة هذه الأزمة الخطيرة، بحسب قوله.
وطالب مجلس القيادة الرئاسي بسرعة اتخاذ إجراءات حازمة ضد المتسببين بمعاناة الجرحى وإحالتهم إلى التحقيق، محذراً من أن محاولة إنهاء الاعتصام بالقوة أو مضايقة المعتصمين ستكون "فضيحة سياسية وأمنية" تفضح هشاشة الأداء الحكومي.
خلايا نائمة وتربص حوثي
وفي السياق، قال مسؤول أمني في مأرب إن استقرار المدينة لا يتحقق باستخدام القوة ضد الجرحى، بل عبر حلول عادلة ومنصفة تحفظ حقوقهم، محذراً من أن مليشيا الحوثي تتربص بالملف وتستغل أي ثغرة لتحريك الشارع وتأجيج الغضب الشعبي.
كما حذر مسؤول رفيع في الاستخبارات العسكرية من استمرار التلكؤ الحكومي، مشيراً إلى أن المليشيا تحاول استغلال حالة الفوضى داخل المحافظة للانقضاض عليها من الداخل، عبر قياداتٍ وولاءاتٍ عسكرية متحالفة معها.
وقال المصدر لـ"خبر" إن الأسر ذات الانتماء السلالي الحوثي تنشط منذ سنواتٍ في تأجيج الصراعات القبلية وتغذيتها ونشر الفوضى والاغتيالات، في مسعى لتمزيق النسيج الاجتماعي وتعميق الفجوة بين المواطن والسلطة.
واختتم قائلاً: "على مجلس القيادة الرئاسي والحكومة ووزارة الدفاع أن يتحملوا كامل المسؤولية عن أي تأخير أو تجاهل للقضية، فالفشل في مواجهة الجناح الاستخباراتي الحوثي داخل المؤسسات الرسمية بات خطراً وجودياً على مأرب والجمهورية بأسرها."
وحتى اللحظة لم تخرج الحكومة بأي تصريح رسمي يفضي إلى حل الأزمة وتجفيفها، أو يظهر التحالف الداعم للشرعية اليمنية، ليتبنى موقفاً أخوياً يخفف معاناة الجرحى ويقطع دابر مليشيا الحوثي.