بين مطرقة الوجدان الوطني وسندان المهنية... مرثية الحيادية المستحيلة في فضاء الإعلام العربي
إن الحيادية المطلقة ليست شرطاً مهنياً يُطلب، بل هي كذبة بيضاء تُسوق، والكاتب العتيق هو من يدرك هذا السر ويعلن انحيازه للحقيقة أولاً وأخيراً.
لعلنا، نحن أبناء هذا الشرق المعذَّب، من أسوأ من يتقن فن المزايدة على القيم النبيلة، ومن أول من يُجيد تداول الشعارات الرنانة.
وفي حقل الإعلام الذي يفترض فيه أن يكون ميزاناً للعدل، تتربع الحيادية الصحفية على عرش الوعود الكاذبة.
إنها، يا سادتي، ليست أكثر من وهم فخم، رداء أبيض جميل يُراد منا ارتداؤه في سماء ملونة بالدم والولاءات القبلية والسياسية.
أقول لكم، بوجدان وطني يئنّ وخبرة تناهز 18 عاماً إن الصحفي العربي لا يمارس مهنة الحياد، بل يمارس فن إدارة الانحياز بمهارة تتطلب قدراً هائلاً من الذكاء والحكمة.
فالمأزق الأكبر الذي يواجهنا هو الاصطدام الجبار بين ميثاق المهنة النظري وبين نداء الهوية والوجدان العملي.
كيف لي أن أكون محايداً عندما تُداس قضيتي الوجودية؟
كيف لقلبي أن يتجرد من الانتماء ليصبح كاميرا صامتة وهو يرى وطنه يُقسَّم وتاريخه يُزور؟
إن التجرد في سياقنا العربي يُنظر إليه على أنه لامبالاة باردة أو خيانة للدم، وهذه هي معضلتنا الكبرى.
وعندما نتفحص البيئة المحيطة، ندرك أن المطالبة بالحيادية المطلقة هي نوع من العبث، فالمؤسسات الإعلامية الكبرى ليست دور نشر مستقلة، بل هي مُنتَج لمشاريع سياسية مُحددة ومُمولة، والمساحة المتاحة للكتابة هي في حقيقتها منطقة نفوذ تُشرط بحدود الممول.
هذا هو السندان الذي يقيد الكاتب الحصيف، الذي يجد نفسه مطالباً بأن يكون ناقلاً أميناً لرسالة غير رسالته.
لذلك، يجب أن نرتقي بمطالبنا من الحيادية المستحيلة إلى الموضوعية المتوازنة.
هذه الموضوعية لا تكمن في أن تكون من دون موقف، بل أن تكون بموقف ضد التضليل. هنا يكمن الفارق بين الكاتب العريق والكاتب المبتدئ. العريق هو من يمتلك الشجاعة الكافية ليدرك انحيازاته الوجدانية، ولكنه يعمل بكل صرامة على أن يخدم هذا الانحياز والإنصاف.
هذا يستلزم الفصل التام بين صرامة نقل الوقائع كما هي دون تحريف، وبين مرونة التحليل الممنهج الذي يجب أن يُبنى على منطق سليم وأدلة قوية، وإدارة المصادر بمهنية عالية لترك مهمة استنتاج الحقيقة للقارئ الواعي.
إن الحيادية الحقيقية في منطقتنا العربية ليست شرطاً مهنياً فقط، بل هي مسؤولية أخلاقية ووطنية عليا، أن نُجبر الانحياز الطبيعي على أن يخدم العدل والإنصاف.
وفي ختام هذا التحليل العميق لواقع الإعلام في محيطنا، وفي ظل الحاجة الماسة إلى صوت مهني مستقل لا يهادن ولا يُحابي، يبرز نموذج وكالة خبر للأنباء. ليس لأني أكتب فيها بل لأني أكتب وأنشر فيها ما تمليه عليا الحقيقة وتستوجبه القضية العادلة لليمن والوطن العربي الكبير. إنها المنصة والوكالة التي تتصدر المشهد اليمني بحرفية ووعي، مُعلنةً بصوت عالٍ أن المهنية والموضوعية لديها لا تعنيان الحياد عن قضايا الأمة، بل تعنيان الارتقاء بالعمل الإعلامي لخدمة الحقيقة.
إن رسالة وكالة خبر ليست مجرد نقل خبر، بل هي التزام وطني قاطع، لا تحايد فيه إلا مع مصلحة اليمن العليا، ولا يقف إلا مع قضايا ومعاناة اليمنيين، منتصراً لقضيتهم العادلة بمهنية تُعيد للصحافة هيبتها المفقودة.