ثورة 26 سبتمبر.. ذاكرة الحرية التي تخشاها مليشيا الحوثي
حل العيد الوطني الـ63 لثورة 26 سبتمبر 1962 واليمنيون ما يزالون يرزحون تحت تضييق ممنهج من مليشيا الحوثي التي حظرت أي مظاهر للاحتفاء بالثورة، وشنت حملات اختطاف واسعة طالت المئات في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها، في مسعى لطمس وهج المناسبة التي لا تزال حاضرة في وجدان الشعب باعتبارها رمزًا للحرية والانعتاق من الاستبداد.
لقد شكلت ثورة 26 سبتمبر نقطة تحول مفصلية في تاريخ اليمن، إذ أنهت الحكم الإمامي الكهنوتي القائم على التمييز الطبقي والجهل والعزلة، وأعلنت ميلاد الجمهورية، فاتحةً الباب أمام التعليم الحديث وبناء الجيش الوطني والانفتاح على المحيط العربي والعالم.
ونجح الثوار، بقيادة أحرار اليمن، في إفشال محاولات الإمامة وحلفائها الإقليميين والدوليين لإجهاض الثورة، رغم ما حظي به الملكيون من دعم خارجي واسع ذلك الحين، لتترسخ قيم الحرية والمواطنة المتساوية التي شكلت جوهر المشروع الجمهوري.
ومنذ قيامها، ارتبطت ثورة 26 سبتمبر في وجدان اليمنيين بالنهضة الشاملة، حيث شهدت البلاد توسعًا في التعليم والصحة والبنية التحتية، وصولاً إلى تحقيق الوحدة اليمنية في 1990، وهي إنجازات ظلت تذكر الأجيال المتعاقبة بأهمية الدفاع عن الجمهورية.
اليوم، يجد اليمنيون أنفسهم أمام واقع يعيد إلى الأذهان ممارسات الإمامة البائدة، بعد سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من البلاد منذ 21 سبتمبر 2014، حيث فرضت أيديولوجيا طائفية ومارست التمييز والإقصاء بحق مختلف فئات المجتمع.
ومع حلول العيد 26 سبتمبر هذا العام، صعّدت المليشيا من قمعها، فداهمت منازل واعتقلت عشرات المواطنين لمجرد نشرهم عبارات أو صوراً مرتبطة بالمناسبة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسعت نطاق حملاتها لتطول أكاديميين وطلابًا وحتى موظفين حكوميين.
ويعكس هذا القمع خشية الحوثيين من الارتباط الشعبي العميق بالثورة، التي شكلت منذ ستة عقود حاجزًا أمام عودة الحكم السلالي، إذ يدرك اليمنيون أن ما يمارس اليوم من تجهيل وتفقير ونهب ممنهج لا يختلف عن ممارسات الإمامة التي أسقطتها ثورة سبتمبر.
كما أن الدعم الخارجي الذي يتلقاه الحوثيون من إيران وحلفائها، يذكّر بالدعم الدولي الذي حظي به الملكيون إبان حربهم ضد الثورة، ما يعزز لدى اليمنيين القناعة بأن معركتهم الراهنة امتداد طبيعي لصراع طويل بين مشروع جمهوري وكيان سلالي متغطرس.
أمام هذا الواقع، يرى مراقبون أن استعادة الجمهورية لن تتحقق إلا بتوحيد الصف الوطني والسياسي، وتجاوز حالة الانقسام، والانتقال إلى مرحلة نضال عسكري وسياسي منظم بقائد جامع قادر على تحرير شمال اليمن ومؤسساته من قبضة الحوثيين، حفاظًا على مبادئ ثورة سبتمبر الخالدة.