اقتصاديون: السوق في المناطق اليمنية المحررة تأثر بالإشاعات وزيادة العرض (تقرير)
أوضح اقتصاديون أسباب التراجع الأخير في أسعار الصرف في المناطق المحررة، خلال الأيام القليلة الماضية، مشيرين إلى أن الانخفاض الحالي قد لا يصمد ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية الهيكلية.
وفي تصريحات متفرقة، وضع الخبراء عدداً من السيناريوهات المتوقعة لمسار العملة خلال الفترة القادمة، مؤكدين ضرورة تدخل حكومي فعّال، وضبط السوق المصرفية، وتحقيق الاستقرار السياسي والمالي، باعتبارها مفاتيح أساسية للحفاظ على التوازن النقدي.
أشاروا إلى أن هذا التحسن النسبي في سعر العملة يجب أن يُستثمر سريعًا في دعم الاحتياطات وتعزيز الثقة، محذّرين من انتكاسات محتملة في حال استمرت المضاربات أو تعثرت الإيرادات العامة.
وسجّل الريال اليمني تحسناً ملحوظاً في سعر صرفه أمام العملات الأجنبية خلال الأيام القليلة الماضية في المناطق المحررة، في تطور أثار تساؤلات عديدة حول أسبابه الحقيقية ومآلاته المحتملة.
وفي هذا السياق، أوضح اقتصاديون أن التراجع الأخير في أسعار الصرف لا يعود إلى تلاعب من قبل البنوك أو شركات الصرافة، بل يُعد انعكاساً طبيعياً لعوامل السوق، أبرزها انتشار الإشاعات والأخبار المتداولة، وزيادة المعروض النقدي من العملات الأجنبية مقابل ضعف الطلب، إلى جانب توقعات بوجود ودائع خارجية أو إجراءات اقتصادية دفعت المواطنين إلى بيع مدخراتهم، ما أسهم في رفع حجم المعروض من العملة الصعبة.
وأشاروا إلى أن البنوك وشركات الصرافة تعمل تحت رقابة البنك المركزي، ولا تملك صلاحيات التحكم الكامل بأسعار الصرف، فيما ترك المركزي السوق في حالة "تعويم نسبي" دون إصدار تعميم رسمي، ما ساهم في تفاقم الفوضى السعرية، وجعل المواطن الحلقة الأضعف في مواجهة هذه التقلبات.
وأكد الخبراء أن البنك المركزي حدد سقفاً أعلى لسعر الصرف عند 428 ريالاً للريال السعودي، مع السماح بالبيع بأقل من هذا السعر، بينما لا تحقق البنوك أرباحاً مباشرة من عمليات شراء العملات الأجنبية، إذ تُلزم بتوريد ما تشتريه إلى البنك المركزي لتغطية فواتير الاستيراد، وليس لغرض المضاربة أو تحقيق أرباح.
قال المحلل الاقتصادي، وحيد الفودعي، "باختصار، قرارات مجلس إدارات البنك المركزي كانت كلها حكيمة، وإن تأخرت فذلك يعود لأسباب عديدة، أهمها الصدمة أولاً، لكن بعد أن امتصّوها اتخذوا القرار المناسب".
وأضاف "شخصيًا، كنت متخوفًا من صدور قرارات عكسية تجاري المضاربين، وحينها كنا سنقرأ على الدنيا السلام".
وذكر أن ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية "يعد أكبر جريمة نصب في تاريخ اليمن، جرت تحت مرأى ومسمع من السلطات".
ورأى الفودعي بأن "الحكومة والبنك المركزي مسؤولون مسؤولية مباشرة أمام الله وأمام القضاء عمّا لحق بالشعب من خداع، إذ ظلوا متفرجين على أكبر عملية نصب لأكثر من ثلاثين ساعة دون أي بيان توضيحي مسؤول؛ ولم يصدر البيان إلا بعد أن وقع الفأس في الرأس".
وتابع: "أرى من الضروري تنفيذ قرار مجلس إدارة البنك المركزي بخصوص تحويل كافة عمليات شراء العملات الصعبة من قبل البنوك والصرافين خلال اليومين الماضيين إلى خزائن البنك المركزي، وبنفس الأسعار التي نُفِّذت بها، من أجل دعم فاتورة الاستيراد والحفاظ على الاستقرار؛ مع أني أشك في قدرة البنك المركزي على ضبط كافة المشتريات نظرًا لضعف الرقابة على البنوك والصرافين التي لا تزال في طور التنظيم".
وأشار الفودعي إلى أن "من المفارقات العجيبة أن الريال السعودي بيع في أحد الأيام في السوق السوداء بسعر 540 ريالا/ريال سعودي، بينما السعر الملزم من قبل البنك المركزي في عدن هو 428 ريالًا، وهذا مؤشر على أن السعر الذي يعكس السوق قد يكون أعلى من السعر الملزم؛ لكن مع حلول المساء في ذات اليوم هبط السعر فجأة إلى ما دون 400 ريال، بل وصل في بعض الحالات إلى 350 ريالًا؛ واليوم هرول إلى 250 دفعة واحدة".
وقال، إن "التفسير الأقرب أن هذا الهبوط لم يكن انعكاسًا لحالة العرض والطلب الطبيعية، بل نتيجة مضاربة عكسية قادها كبار اللاعبين في السوق"، موضحاً أن "هؤلاء المتضررين من موجة الهبوط السابقة سعوا إلى تعويض خسائرهم عبر دفع الأسعار إلى مستويات متدنية بشكل مصطنع، ما سمح لهم بشراء العملات الأجنبية بكميات كبيرة وبأسعار زهيدة، استعدادًا لجولة صعود جديدة، وبذلك فإن التراجع المسائي لا يمثل السعر الحقيقي بقدر ما هو تكتيك مضاربي مؤقت".
وذكر أن "ما يؤكد هذا التفسير هو الارتداد السريع الجاري الآن، حيث يُرجَّح أن يستقر السعر عند حدود 425 ريالًا، ما لم يكن للبنك المركزي في عدن رأي آخر يتدخل به لإدارة المشهد".
من جهته قال الخبير الاقتصادي، مصطفى نصر، "يفترض أن يتم إغلاق كافة شركات الصرافة التي مارست المضاربة وقامت بالشراء أو البيع بالمخالفة لسعر البنك المركزي".
وذكر، بأن "إخفاء تلك الأموال او الاحتفاظ بها بعيداً عن البنك المركزي يعد ممارسة مباشرة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب يستدعي الغرامة والمحاسبة والإغلاق، أما المواطن البسيط الذي لم يكن بحاجة لعملية الصرف وساهم في المضاربة، يستحق خسارته لأمواله".
وبيّن مصطفى، أن البنك المركزي يمتلك خيوط اللعبة حالياً بالتنسيق مع الحكومة، وأي تحسن يدعمه البنك لا بد أن يكون تدريجياً وبصورة مدروسة لكي لا يخسر القطاع المصرفي الحقيقي ويستفيد المواطن من التحسن من خلال انعكاس ذلك على الأسعار.
ولفت إلى أن "هناك سيناريوهين محتملين لما حدث، بأن العملية تمت بإيعاز وتخطيط من قبل أيادي جماعة الحوثي في السوق، أو محاولة من الصرافين الذين لديهم تركز مالي كبير وتعرضوا لخسائر خلال التحسن السابق لذا يريدون تعويض خسارتهم بشراء كميات النقود بسعر أقل".