صراع الفناء والبقاء.. حزب المؤتمر يواجه العنف الحوثي وحيدًا

حنة أرندت قالت إن العنف لا يؤسس سلطة، بل يظهر حين تكون السلطة في خطر. وهذا بالضبط ما يحدث: للحوثية السلالية، فهي لا تُنكّل بالمؤتمريين لأنها قوية، بل لأنها خائفة. وكلما ازداد خوفها، ازداد عنفها. ضدهم.

الحوثية لا تكتفي بالهيمنة، بل تسعى لاجتثاث المؤتمر وتصوغ هذا الاجتثاث كقدر إلهي، تنكيل وتحريض ضدهم في الإعلام وحتى منابر خطب الجمعة تتحول إلى محاكم تفتيش، تُخوّن المؤتمر وتُشيطن أعضاءه. الاعتقالات، والمحاكمات ليست إجراءات أمنية، بل طقوس إقصاء. أما الاقتصاد، فليس أداة تنمية، بل وسيلة إذلال: جبايات مفروضة، موارد منهوبة، وسلطة ريعية لا تعرف القانون.

في هذا السياق، لا يبدو المؤتمر مجرد حزب، بل مشروعًا مضادًا: يرى في التعددية إمكانية للنجاة، وفي السياسة أفقًا للعيش المشترك.

المؤتمر الشعبي العام ليس في موقع القوة، لكنه في موقع الضرورة. في مناطق سيطرة الحوثيين هو المظلة الأخيرة لفكرة الجمهورية. لكنه يواجه تحدّيين: عنفًا خارجيًا يهدد وجوده، وأزمة داخلية تعوق قدرته على التجاوز.

ومع ذلك، يظل، رغم كل شيء، حاملًا لفكرة: أن السياسة ممكنة، وأن العنف ليس قدرًا. 

استمرار العنف الحوثي لا يعني فقط سقوط شرعية الأمر الواقع عنه، بل يعني سقوط الفكرة السلالية، نفسها: وفكرة الدولة، وفكرة التعايش، وفكرة المستقبل. الصراع يتحول من سياسي إلى هويّاتي، ومن قابل للحل إلى قابل للانفجار.

التاريخ يقول، إن هذا الطريق لا يؤدي إلا إلى الخراب. لكن اليمن، كما علمنا دائمًا، لا يقرأ التاريخ كما هو، بل يعيد كتابته.

في النهاية، لا يصنع العنف شرعية، ولا تصنع السلالة دولة. ما يصنع الدولة هو التوافق، وما يصنع الشرعية هو العقد، وما يصنع الحياة هو الاعتراف بالآخر.

المؤتمر الشعبي العام لا يواجه السلالة فقط، بل يواجه سؤالًا وجوديًا: هل يمكن لليمن أن يكون وطنًا، لا ميراثًا؟ وهل يمكن للسياسة أن تنتصر على العنف؟

الجواب لم يُكتب بعد. لكنه يُكتب الآن، في كل مواجهة، وفي كل كلمة، وفي كل حلم لا يزال يؤمن أن اليمن يستحق أكثر من هذا.