الحشد الشعبي.. عراقي الدماء إيراني القيادة والقرار والعقيدة

إيران تريد الحرب في أكثر من مكان، ولكن ليس بدماء حرسها ولا بأموالها ولا على أراضيها، إنما بدماء العراقيين وأموالهم وعلى أرضهم، وهذا هو سرّ توصية ولي الفقيه خامنئي بالحشد الشعبي العراقي.
 
كان القصف الصاروخي الذي استهدف قاعدة عسكرية أمريكية- عراقية (كاي وان) يوم الجمعة(27/12/2019)، رسالة إيرانية بأننا موجودين في كل مكان، وأن القواعد العسكرية الأمريكية تحت أهدافنا، نفذت عملية القصف "كتائب حزب الله العراق"، والتي تأتمر بأمر مستشار قاسم سليمان جمال جعفر المعروف بأبي مهدي المهندس، ورداً على القصف وجهت قوات أميركية ضربات موجعة لقواعد هذا التنظيم، المنتشر بالعراق وسوريا.
 
ثارت ثائرة المدافعين عن الحشد الشعبي على أن القصف الأميركي نال من مجاهدين ضد داعش، لكن مَن هو الحشد وكيف تأسس، ولماذا مرشد الثورة الإسلامية في إيران يوصي بالحفاظ عليه، وجعله جيشاً موازياً للجيش العراقي. فإذا علمنا أن كتائب حزب الله العراق وعصائب أهل الحق ومنظمة أو ميليشيا بدر وميليشيا النجباء وغيرها تؤلف الحشد الشعبي، فهل أن هذه الميليشيات عراقية القرار والعقيدة، أم أنها ترتبط بالحرس الثوري الإيراني، فكيف للعراقيين التمييز بين حشد شعبي عراقي وحرس ثوري بدماء عراقية وعقيدة وقرار إيرانيين.
 
تأست كتائب حزب الله العراق بعد السنة 2003، وقيل بحدود 2007، إلا أن رئيسها أبو مهدي المهندس ارتبط بإيران منذ نهاية السبعينيات، وصار ثقة لدى الحرس الثوري وقادته، وقد نفذ عدة عمليات إرهابية خلال الحرب العراقية الإيرانية، ومنها عمليات ضد مواقع أميركية خارجية وتورطه بمحاولة اغتيال أمير الكويت بحدود (1983). لديه جنسية إيرانية ويعمل مستشاراً لدى قاسم سليماني قائد فيلق القدس، والذي يختص بتنظيمات الخارج ومن مهامه يشرف على تصدير الثورة وحماية الأنظمة التي تسير بركاب إيران.
 
إن شخصاً مثل أبي مهدي المهندس، والمخلص للولي الفقيه، ليس له صلة من بعيد أو من قريب بالعراق، وأن وجوده بالعراق لحماية المصالح الإيرانية، ومِن أهم أدواتها هو ميليشيات الحشد الشعبي، وإلا كيف يكون إيراني الجنسية والمنصب أيضاً مسؤولاً أولاً، من حيث الواقع، للحشد الشعبي العراقي؟!
 
من المعروف أن الحشد نشأ وفق فتوى المرجع علي السيستاني، وعندما ضاق عراقيون به، أخذت المرجعية تتحدث عن عدم صلتها بهذا الحشد، لكن بالإيماءات وليس بالكلام الصريح، ومنها ورد في خطب وكلائها بكربلاء، العتبة الحسينية والعتبة العباسية، بأن فتوى "الجهاد الكفائي" لا تعني تشكيل قوات مسلحة خارج القوات الرسمية، لكن الميليشيات التي تحشد في هذا الكيانات وجدت في تلك الفتوى أساساً أو سنداً لإظهار الحشد الشعبي، وهو بالحقيقة جناح للحرس الثور
 
إن ذريعة داعش والحرب على داعش أخذت تُسجل إعلامياً باسم الحشد الشعبي المذكور، بينما حقيقة الأمر أن الجيش العراقي هو كان صاحب الانتصارات، لكن الإعلام الإيراني والتابع لإيران وجد ضالته في فتوى الجهاد الكفائي وراح الإعلام يُضخم من دوره، وهو ما تفعله بقية التنظيمات الإرهابية، حيث تعتمد على الإعلام الموجه، فداعش في الحقيقة أوجدها إعلامها، فهي تعتمد عليه في الانتشار والتأثر، وهذا ما تحقق خلال الحرب على داعش بأنه لولا الحشد الشعبي لدخلت داعش إلى بغداد، وهذا بعيد عن الواقع، ما حصل أن الميليشيات أوجدت لها مواقع في المناطق الغربية والموصل، وقامت بعمليات تهجير وتدمير، لفرض سيطرتها كأمر واقع، أما الفاعل الحقيقي لطرد داعش هو الجيش العراق والتحالف الدولي، أما أن يُقال عن هذا الجيش بأنها انهزم أمام داعش، فهذا ليس حقيقة القصة كاملة، إنما بتدبير من القيادة سُحبت قوات الجيش من مواقعها وفُسح المجال لداعش، وقد صاحب ذلك هروب المئات من الإرهابيين من السجون العراقية ببغداد، وقد حصل هذا في ظل وزارة نوري المالكي الثانية.
 
إن المعركة الآن بين أجانب داخل العراق، بين فصائل الحشد العراق وهو إيراني القرار والعقيدة، وتأتي في مقدمته كتائب حزب الله العراق وبين القوات الأميركية، لكن وسائل الإعلام الإيرانية والسائرة في الركاب الإيراني تُقدم الحشد الشعبي العراقي كضحية للقصف الأميركي، من دون الأخذ بنظر الاعتبار أن الكتائب قد وجهة ضربة للقاعدة الأميركية القريبة من كركوك، وعلى أن المقتولين في القصف الأميركي هم من المجاهدين ضد داعش.
 
تريد إيران الحرب في أكثر من مكان، ولكن ليس بدماء حرسها الصوري ولا بأموالها ولا على أراضيها، إنما بدماء العراقيين وأموالهم وعلى أرضهم، وهذا هو سرّ توصية ولي الفقيه خامنئي بالحشد الشعبي العراقي، لأنه بالأساس حشده وليس حشد العراق.
 
إن الحشد الشعبي، وأهم ما فيه من ميليشيات كتائب حزب الله العراق وعصائب أهل الحق والنجباء وبدر، يُعتبر قوات إيرانية داخل العراق، ولكن بالعراقيين وليس بالإيرانيين، وهذا لا يخفى على أي وطني عراقي يجد وطنه منهوب من قِبل الأحزاب الإيرانية العقائد والميول. ليس الأمر يتوقف عند حفظ مصالح إيران، وقمع الاحتجاجات أو التظاهرات وملاحقو خصوم إيران عبر مؤسسات وتنظيمات مختلفة العناوين، إنما قرار الحرب على أي دولة، تواجهه تصدير الثورة، يأتي مِن إيران مباشرة، وهذه هي خطورة هذا الاحتلال، والذي تم بعناصر عراقية، وأنه حصلت الدعم من إيران دفاعاً عن العراق، حتى أن البعض، إن كان جهلاً أو قصداً، أخذ يعتبر إيران منقذاً، ولولاها لصارت بغداد ولاية داعشية، مِن دون تفكير أن داعش كانت سبباً بالاحتلال الإيراني للعراق، وكأن مهمتها قد تحققت.
 
إن المعركة تجري داخل العراق، وهي مواجهة بين احتلالين، ربّما اتفقا على لعب هذا الدور، مثلما يذهب الكثيرون إلى ذلك، غير أن الواضح للعيان أن إيران تربط مصير وجودها الثوري بوجود حكومات عراقية خاضعة لسياساتها، ووجود ميليشيات تحارب معها ضد مصالح العراق، فهذا هو الدور الذي يلعبه الحشد الشعبي بعد داعش، وما القصف المتبادل الأخير بين كتائب حزب الله العراق والقاعدة الأميركية يشبه إلى حد كبير ما جرى بين العثمانيين والصفويين، والعراق ساحة للنزاع عليه وفيه. أما إيران فلم تخسر شيئاً، لا دماء ولا أموال، فالدماء عراقية والأموال التي تُصرف على الحشد عراقية أيضاً، أما هي فلها القرار والعقيدة والقيادة.