حزب الله يكشف عن وجهه القبيح

حزب الله يعمل على تقويض انتفاضة الشعب اللبناني ويعيد إلى أذهان الناس مآسي الحرب الأهلية ويذكرهم بمآلات الثورة السورية التي كان نفسه أحد أدوات سحقها.

شهد لبنان منذ 17 أكتوبر الجاري، وعلى مدى أسبوع كامل انتفاضة شعبية شاملة شهد العالم كله على سلميّتها وحضاريتها، حتى قيل إنها أجمل انتفاضة شعبية على الإطلاق.

هذه الانتفاضة الاستثنائية، شكلت مفاجأة للكثيرين، بل للبنانيين المنتفضين أنفسهم، حيث اكتشفوا بالملموس أنهم شعب واحد يتحدث لغة واحدة وينوء بنفس المعاناة التي تتحمل مسؤوليتها نفس الجهات التي رسمت بين اللبنانيين حدودا وهمية احتجزتهم داخلها لعقود.

أسقط اللبنانيون بانتفاضتهم الحدود الطائفية والمذهبية والسياسية، التي منعتهم من الالتقاء في الساحات وفي الرؤى والمواقف والأهداف، وما بقي لهم سوى أن يسقطوا تلك القوى التي فرضت عليهم ذلك الحجر المديد، الذي جعلها تستمر في السيطرة عليهم وعلى مواردهم ومقدرات بلادهم لعقود رغم كل هذا الفساد وهذا النهب وهذا الإفقار المدقع الذي أوصلت إليه البلاد والعباد.

حين أدرك اللبنانيون أن عليهم إسقاط القوى السياسية المسيطرة بنظام الطائفية والمذهبية والفساد والتبعية، هبّ حزب الله ليكشف عن وجهه القناع وليعلن للبنانيين أنه سيّد النظام وسيّد العهد وسيّد الحكومة، وأن مطالبة اللبنانيين بإسقاط النظام أو حتى باستقالة الحكومة أمر ممنوع، وأن الأمر له وحده في تقرير ما يريده اللبنانيون وما هو محظور عليهم التحدث فيه، وأنهم، في انتفاضتهم المحقّة ينبغي ألّا يتجاوزوا المطالبة بتحسن أوضاعهم المعيشية التي يتكفل بتحسينها النظام نفسه الذي دمرها.

وهكذا، أطل علينا حسن نصرالله، زعيم حزب الله ليلوّح بإصبعه مهدّدا اللبنانيين بالحرب الأهلية التي أعلنوا انتهاءها منذ بدء انتفاضتهم. الحرب الأهلية التي مارس شبّيحته في الساحات وفي الشوارع بعضا من مظاهرها على المنتفضين قبل خطاب سيّدهم وخلاله وخصوصا بعده.

كتب الأكاديمي والناشط السياسي باسل صالح ردا على خطاب حسن نصرالله “البارحة أعلن أمين عام حزب الله، وبما لا يدع أي مكان للشك أنه هو من يقرر ما هو مسموح وما هو غير مسموح، ما هو ممكن وما هو غير ممكن، ما هو ضروري وما هو غير ضروري، ما هو نظامي وقانوني وما هو غير قانوني، البارحة أعلن الأمين العام اختزال الرئاسات الثلاث في شخصه، وأعاد موضعة عون وبري والحريري في مكانهم في الصف الخلفي”. كان أمام حزب الله وزعيمه أحد الخيارين:

إما التضامن مع الشارع ولو في الحد الأدنى بالمطالبة باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين قادرة على كسب ثقة اللبنانيين وتعمل على إنقاذ البلاد من أزماتها المتراكمة، وفتح الطريق أمام سلسلة إجراءات ملموسة كمحاسبة كبار الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة وتعيد بالتالي الثقة بالدولة، فيكسب الشارع.

أو التمسك بالنظام الطائفي، نظام الفساد والنهب الذي يُقر بفساده وفشله حزب الله ذاته، وقد أعلن في كل المناسبات أنه عازم على مواجهته. وكان قد كلف أحد نوابه (حسن فضل الله) بمتابعة ملفات الفساد، والذي على مدى سنوات وفي كل لقاءاته كان يعلن أن لديه ملفات لو فتحت لأدخلتْ رؤوسا كبيرة إلى السجن، حتى باتت عبارته تلك لكثرة ترديده إياها مثارا للتندر والاستهزاء.

لكن حزب الله اختار الخيار الثاني، خيار التمسك بنظام الفساد والنهب والهدر والإهمال رغم كل فشله، وأكثر من ذلك، هدد بالويل والثبور ولوّح بمصير شبيه بمصير سوريا في حال استمرار الانتفاضة بالمطالبة بإسقاطه. أي إنه يُخير الناس بين الرضوخ وبين الحرب الأهلية التي باتت منذ أيام خلفنا.

وبالفعل، ما إن مر أسبوع على الانتفاضة الشعبية، حتى بدأ حزب الله يحرك أنصاره. البداية كانت من النبطية التي شهدت هجوما وحشيا على المتظاهرين، وكان الهدف منه أن يعيد الأهالي هناك، أي في مناطق سيطرة حزب الله، حساباتهم. فالخروج من تحت عباءة حزب الله يجب أن يكون عالي التكلفة. ثم بدأ أنصار حزب الله عملية ممنهجة لتشويه الانتفاضة ونسبة ما ليس فيها إليها، وصولا إلى شيطنتها من قبل زعيم حزب الله في خطابه الأخير. هذا التشويه مترافقا مع عمليات التّشبيح والهمجية التي مارسها أنصار حزب الله في ساحات التظاهر، إضافة إلى حملات التهديد والوعيد ومطاردة الناشطين وتحطيم سياراتهم والاعتداء عليهم خصوصا في المناطق الشيعية، والتضييق على الإعلاميين والاعتداء عليهم، كل هذا يؤكد مدى ذعر حزب الله من هذه الانتفاضة واعتبارها مصدر تهديد خطير على سيطرته يجب القضاء عليه فورا. لماذا؟

يعاني حزب الله من ضائقة مالية نتيجة الحصار والعقوبات المفروضة على إيران من جانب وعليه من جانب آخر. هذه العقوبات جعلته يمارس حيال أنصاره وحاضنته الشعبية تقشفا حادا في الوقت الذي تتدهور أحوال البلاد الاقتصادية والمالية نتيجة طبيعة النظام السياسي والاقتصادي المسيطر. يعني أن الحاضنة الاجتماعية التي يتحصّن فيها حزب الله قد تكون هي الجهة الاجتماعية الأكثر تعرضا للسحق بالأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية. وجاءت خطوات الحكومة التي يسيطر عليها حزب الله لتزيد الموجوع وجعا، وكانت الانتفاضة النافذة التي دفعت الحاضنة الاجتماعية للحزب إلى التحرر من سيطرته. وهذا أخطر ما يمكن أن يواجهه حزب الله.

وحزب الله إذ يسيطر على الحكومة، يستطيع أن يمرر عبر المنافذ الحدودية “الشرعية” وغير الشرعية ما يريد. فالذي يمرر المقاتلين والسلاح لن يتوانى عن تمرير أي شيء، من العملة إلى المحروقات إلى مختلف البضائع. وكنا تابعنا كيف أن كمية المحروقات التي تم استيرادها هذا العام تفوق الضعفين عن تلك التي تم استيرادها في العام الماضي، وهذا قبل أن يحل فصل البرد، وليس من المستبعد أن يكون شح الدولار في الأسواق اللبنانية في الأشهر الأخيرة ناتجا عن عمليات تهريب المحروقات التي يدفع ثمنها بالدولار، وعن تهريب الدولار بمبالغ ضخمة خارج لبنان، إلى سوريا وربّما إيران المحاصرتين. وهنا بيت القصيد. فأي حكومة اختصاصيّين مستقلة تتمتع بقدر من النزاهة، يعني أن هذه الأعمال سوف تتوقف أو تصبح غير ذات قيمة حقيقية، وبالتالي فإن خطر انفضاض الناس، ليس من حول الحزب، بل من صلبه، يصبح حقيقة واقعة.

لذلك يكشف حزب الله عن وجهه الحقيقي. يعمل على تقويض انتفاضة الشعب اللبناني ويعيد إلى أذهان الناس مآسي الحرب الأهلية ويذكرهم بمآلات الثورة السورية التي كان نفسه أحد أدوات سحقها.

*العرب