جريمة النهدين التي استهدفت الزعيم محقق الوحدة اليمنية
في أول جمعة من شهر رجب، الموافق الثالث من يونيو 2011، اهتزت العاصمة اليمنية صنعاء على وقع جريمة غير مسبوقة استهدفت جامع دار الرئاسة، المعروف بـ"جامع النهدين".
لم تكن الحادثة مجرد تفجير، بل كانت محاولة اغتيال مدبرة بعناية استهدفت الرئيس اليمني الأسبق الزعيم علي عبد الله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام، وكبار قيادات الدولة المدنية والعسكرية أثناء أدائهم صلاة الجمعة بينهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي الذي أصيب في الجريمة إصابة بالغة.
وقد كشفت محاضر جمع الاستدلالات والتحقيقات اللاحقة حينها عن خيوط مؤامرة معقدة ومتعددة الأوجه، شاركت فيها شخصيات عسكرية وقبلية وسياسية بارزة، بهدف إسقاط النظام واستهداف كيان الدولة؛ لقد تحولت إلى ساحة لتنفيذ واحدة من أكثر الجرائم جرأة وتعقيداً في تاريخ اليمن الحديث.
جريمة لم تكن ضربة عشوائية، بل كانت إطلاق رصاصة الخيانة من داخل البيت، مدعومة بتمويل غير محدود وتخطيط شيطاني دقيق.
تبدأ الحكاية قبل أيام من ذلك الصباح المصيري، في منازل متفرقة وفي ظلال منابر تحريضية.
كان فضل ذيبان، المهندس في الكهرباء، يجول بين تجار السلاح في صعدة ورداع، ينفق ملايين الريالات بلا حساب، وكأنه يستعد لحرب.
في منزله بمنطقة شملان، كان يجلس مع مجموعة من الشباب والعسكريين، ليس لقراءة القرآن، بل لتفكيك هواتف محمولة وتوصيل أسلاكها بصواعق تفجير.
كانت يداه تختبرا قوالب الـ"TNT" داخل إطار سيارة في حوش المنزل، فيما كان لسانه يلقي محاضرات عن "رموز النظام" التي يجب محاربتها.
لم يكن ذيبان وحده. فقد اجتمع في منزل الأستاذ الجامعي لبيب مدهش، ضباط وضباط صف من الحرس الخاص والحرس الجمهوري، مثل الطعامي والغادر ومحمد عمر.
هناك، تحت غطاء خطاب ديني مشوّه، تم غسل أدمغتهم ودفعهم نحو حافة الهاوية.
وُعدوا "بدولة الخلافة" و"المناصب العليا"، بينما كان المخطط الحقيقي يجري في الخفاء: اغتيال رئيس الجمهورية ومؤسس الوحدة اليمنية وتفجير مقرات الدولة.
وفي الجانب الآخر من المدينة، في منطقة حدة المرتفعة المطلة على دار الرئاسة، كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق.
تحوّل منزل قائد الفرقة الأولى مدرع آنذاك، علي محسن الأحمر، ومنازل أبناء الاحمر حميد ومذحج، وأرضية محمد علي محسن (التبة)، إلى ثكنات عسكرية غير قانونية.
جيوش من المسلحين المدججين بالأسلحة الثقيلة، من الهاونات ومدافع "البي 10" إلى صواريخ "آر بي جي" و"لو"، احتشدت هناك.
هؤلاء لم يأتوا من فراغ؛ فقد تم تدريبهم داخل معسكرات الفرقة الأولى مدرع نفسها، تحت إشراف مباشر من مذحج الأحمر وجبران درهم الأحمر.
كانت الخطة واضحة؛ بمجرد سماع دوي الانفجار من داخل القصر، تبدأ كل هذه البؤر بإطلاق وابل من القذائف على دار الرئاسة ومعسكري اللواءين الأول والثالث حرس جمهوري، لخلق ذروة من الذعر والفوضى.
الأكثر إثارة للاشمئزاز كان دور شركة "سبأفون". فبدلاً من أن تكون أداة اتصال، تحولت إلى شريك في الجريمة. بتجاهل تام للقانون، أنشأت فئة سرية من الأرقام (719) كدائرة مغلقة للمتآمرين، ثم قامت بعمد بفصل خدمات الرقابة عن الأجهزة الأمنية قبل أسبوع من الجريمة، مانحة الخلية غطاءً من الظلام لتحركاتها. لقد باعت الوطن مقابل لا شيء.
ثم جاء يوم التنفيذ؛ في ليلة الأربعاء الأول من يونيو، خرج الملازم عبدالله الطعامي بسيارة الدورية الرسمية (الهايلوكس) تحت ذريعة شراء القات.
في سوق عنس، التقى بفضل ذيبان، ليسلّمه "هدية" ثقيلة الوزن: كيس دعاية لصابون كريستال، لكنه كان مملوءاً بقوالب المتفجرات والهواتف المعدلة.
عاد الطعامي إلى قلب دار الرئاسة، مروراً بالبوابة الشرقية دون أي تفتيش، حاملاً الموت في صندوق سيارته.
في غرفته، تسلم المتفجرات زميلاه المؤذن محمد الغادر ومحمد عمر.
في ظلام الليل، تجول الثلاثة بين الأشجار قرب خزانات الغاز المجاورة لمقر سكن الرئيس، يبحثون عن أفضل مكان لوضع العبوة القاتلة.
وفي صباح الجمعة، وقف فضل ذيبان في ميدان السبعين، هاتفه المحمول ملتصق بأذنه.
كان على الخط مع الطعامي داخل الجامع. سأله ببرود: "هل بدأت الصلاة؟ هل الرئيس داخل الجامع؟". كانت الإشارة تنتظر.
وفي نفس اللحظة، كانت أصابع عشرات المسلحين في حدة ترتاح على زناد المدافع والهاونات، وعيون قادة المجموعات، مثل علي راجح تميم، تراقب الساعات بقلق، منتظرة الصفر الذي سيعلنه دوي الانفجار من الأسفل.
هذه ليست قائمة اتهامات مجردة؛ هذه هي سردية الخيانة المركبة؛ جريمة جمعت بين سماسرة السلاح ومهندسي المتفجرات، وعسكريين خانوا القسم، وأكاديميين حوّلوا قاعات الدرس إلى منابر تحريض، ومسؤولين في شركة اتصالات عطّلوا الرقابة، وقادة عسكريين سابقين حوّلوا منازلهم إلى قواعد لشن حرب على الدولة.
لقد استخدموا المال الوفير، والخطاب الديني المغلف بالسم، والتكنولوجيا الحديثة، والمراتب العسكرية، جميعاً في خدمة هدف واحد؛ تدمير قلب الدولة اليمنية وإشعال حرب لا تبقي ولا تذر.
قصة النهدين هي ليست فقط عن انفجار، بل هي عن الزمن الذي سبقه، حيث نسج الظالمون خيوط شباكهم في وضح النهار.