فشل التنظيم وتجاهل المخالفات يفاقمان الأزمة المرورية في عدن (تقرير)

تتفاقم أزمة الازدحامات المرورية بشكل لافت في عدد من الجولات والشوارع الرئيسة بالعاصمة المؤقتة عدن، على الرغم من انتشار رجال المرور وإشارات التنظيم المروري، وهو ما يُعزى إلى أسباب متعددة يأتي في مقدمتها عدم تطبيق القانون، بحسب مسؤولين في شرطة السير بوزارة الداخلية.

وأفادت مصادر محلية لوكالة خبر، بأن الإشارات الخضراء عند أغلب الجولات تُفتح بينما تتعطل انسيابية حركة المركبات في "خط جهة اليمن" بدلاً من استمرارها في "خط اليمين" وفقاً لقواعد المرور، ما يتسبب في اختناقات مفاجئة.

وأكدت المصادر، في شكاوى متكررة عن الاختناقات المرورية وعدم وضع الحلول، أن العديد من المركبات تتوقف في المسارات غير المناسبة أثناء الإشارة الحمراء، مما يمنع مرور السيارات خلفها، فتنتشر حالات التكدس في الجولات دون حركة فعّالة.

هذه المخالفة الصريحة ليست سوى نموذجٍ لمجموعة من التجاوزات التي يرتكبها السائقون والباعة المتجولون وغيرهم أمام أعين رجال المرور، الذين يلتزم بعضهم الصمت دون مبرر واضح.

مساءلة رجال المرور

من جانبها، أرجعت مصادر في شرطة السير بعدن الأزمة الراهنة إلى عدة أسباب، أبرزها انتشار البسطات العشوائية داخل الجولات والمناطق الفرعية، وتوقف حافلات الأجرة الصغيرة في ساحات الدوران، وقيادة الأطفال للمركبات، ما يعوق حركة المرور ويحوّل الشوارع إلى طوابير طويلة من المركبات.

ولوحظ في الجولات تداخل المركبات أثناء السير، فمثلاً ينطلق سائق من جهة اليسار عند الإشارة الحمراء ثم يحاول الانتقال إلى اليمين بعد فتحها، فيقطع أمام مركبات أخرى، ما يؤدي إلى تعطيل الحركة وزيادة الازدحام، بحسب مصادر محلية ومرورية لوكالة خبر.

وفي جولتي القاهرة وكالتِكس بمديريتي الشيخ عثمان والمنصورة، يتجاوز عدد رجال المرور في كل منهما ستة أفراد، ومع ذلك ما تزال الحركة تعاني من إعاقة كبيرة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى قيام بعض العناصر بمهامهم الفعلية في تنظيم السير، إذ يُلاحظ وقوفهم على أطراف الجولات دون تدخل فعّال في توجيه المركبات أو تخفيف الكثافة أثناء ساعات الذروة.

وتؤكد مصادر محلية، أن الازدحام في جولة القاهرة تحديداً يعود إلى توقف حافلات الركاب في عنق الجولة لتتحول إلى موقف لتحميل الركاب، وسط صمت مريب من رجال المرور، ما يحتم إحالتهم إلى التحقيق للمساءلة القانونية.

عرقلة الموظفين والطلبة

في السياق، قال موظفون وطلبة أنهم يعانون على حد سواء من تبعات الأزمة المرورية، خصوصاً في فترات الصباح، إذ يضطرون لقضاء أوقات أطول للوصول إلى مقار أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم، ضمن طوابير ممتدة من السيارات المتوقفة داخل الجولات.

وذكروا لوكالة خبر، أن الاختناق المروري يحصل في ظل وجود رجال المرور وأن وجودهم بات شكلياً، والمراقبة محدودة، في ظل غياب التدخل الفعلي لتنظيم السير وتخفيف الازدحام.

وفي المقابل، أوضح أحد مسؤولي شرطة السير أن "عدم تفعيل المخالفات والحملات المرورية لردع السائقين المخالفين يؤثر سلباً على رجال المرور ويجعلهم أقل حماساً في أداء مهامهم"، مؤكداً أن المشكلة لا تكمن فقط في ضعف التنظيم، بل أيضاً في غياب الردع والعقوبات الرادعة التي تشجع على الالتزام بالنظام.

ولا يمكن فصل أزمة الازدحامات في عدن عن السياق الأوسع المتعلق بسلامة المرور في اليمن عموماً، إذ تشير إحصائيات رسمية إلى أن الحوادث المرورية في المناطق الخاضعة للحكومة خلال عام 2024 أسفرت عن نحو 4,924 ضحية بين قتيل وجريح، بزيادة تُقدَّر بـ30% عن العام السابق، حيث سُجلت 663 حالة وفاة و4,261 إصابة.

ويُظهر هذا الرقم الكبير أن الازدحامات لا تقتصر على تعطيل الحركة فحسب، بل تمثل مؤشراً على ضعف منظومة المرور بشكل عام، خصوصاً بعد أن أصبحت قيادة المركبات في الشوارع العامة من قِبل الأطفال والمراهقين أمراً مألوفاً لدى رجال المرور الذين يعول عليهم ضبط مثل هكذا مخالفات وبصرامة.

ولمعالجة الأزمة، يؤكد مسؤولون في وزارة الداخلية ضرورة تضافر جهود عدة أطراف، تبدأ بإدارة شرطة السير التي يجب أن تُفعّل التنسيق مع الجهات المعنية لتنظيم خطوط السير وتحرير المسارات المغلقة، إضافةً إلى إزالة البسطات العشوائية وتخصيص مواقع مؤقتة لحافلات النقل بعيداً عن الجولات الرئيسة.

وشددوا على أهمية تعزيز حملات التوعية المرورية للسائقين والمواطنين، وتفعيل العقوبات بحق المخالفين، إلى جانب تطوير البنية التحتية المرورية بتعزيز الشوارع والجولات بعلامات مرورية تحذيرية من الوقوف وفتح مسارات بديلة.

ولفتوا الى أن انسيابية الحركة في عدن لا ترتبط فقط بوجود رجال المرور أو إشارات التنظيم، بل هي نتاج منظومة عمل متكاملة تشمل القوانين، والبنى التحتية، والتخطيط الحضري، والمشاركة المجتمعية، ولكن إذا لم تُعطَ هذه الأزمة الأولوية القصوى من قِبل قيادة وزارة الداخلية، فستستمر في تعطيل حياة المواطنين وزيادة الخسائر البشرية والمادية.