مسرحية "التجسس".. الحوثي يطلق فزاعة الأوهام لمداراة الوضع القابل للانفجار شعبياً

أثار البيان الأخير الصادر عن وزارة الداخلية التابعة لمليشيا الحوثي في صنعاء، غير المعترف بها، والذي أعلنت فيه عن عملية أمنية باسم "ومكر أولئك هو يبور" وزعمت أنها أدت إلى القبض على "شبكة تجسسية" دولية تابعة للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية.. أثار موجة واسعة من السخرية والاستهجان والتشكيك والتحليل النقدي في الأوساط السياسية والإعلامية والحقوقية. هذه الادعاءات الجديدة، التي تأتي في سياق متكرر ومفضوح، يُنظر إليها على أنها محاولة يائسة ومكشوفة من قبل المليشيا لصرف أنظار اليمنيين عن الانهيار الاقتصادي الحاد وتوقف دفع مرتبات الموظفين الحكوميين والمطالبة بالحقوق والحريات الأساسية.

لطالما دأبت المليشيا الحوثية على استخدام ورقة "التجسس" كأداة لقمع المناهضين لمشروعها وتبرير الفشل، حيث تكرر المشهد في كل مرة تلجأ فيها إلى إلصاق تهم الخيانة والتخابر مع قوى خارجية على موظفين يمنيين شرفاء.

 إن قائمة المختطفين على خلفية هذه التهم تشمل بشكل متزايد العاملين في المنظمات الإنسانية والإغاثية التابعة للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، بالإضافة إلى الأكاديميين والمعلمين والمحامين والناشطين، الذين يُعتبرون تهديداً لوجود المليشيا بسبب وعيهم وقدرتهم على حشد الرأي العام.

 الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية أدانت مراراً هذه الاختطافات، مؤكدة أن الادعاءات الموجهة إلى موظفيها كيدية وغير قائمة على أي أدلة موثوقة، وتطالب بالإفراج الفوري عنهم، ما يضع صدقية بيان المليشيا موضع تساؤل عميق.

الانهيار الداخلي وتأثير خفوت جبهة غزة

يربط مراقبون وخبراء توقيت الإعلان عن مثل هذه "العمليات النوعية" كما يطلق عليها الحوثيون بشكل مباشر بالأزمات الداخلية الطاحنة التي تعاني منها مناطق سيطرتهم، والتي تفاقمت بشكل خاص في ظل التطورات الإقليمية. فبعد توقف الأعمال العدائية الكبرى في غزة، وجد الحوثيون أنفسهم في واقع مفضوح وخالٍ من المعاذير والقصص والشعارات الحماسية. لقد كانت جبهة غزة تمثل غطاءً أيديولوجياً مهماً استخدمته المليشيا لتبرير نهب الموارد، وتجنيد المقاتلين، وتشتيت الانتباه عن فشلها في دفع المرتبات وتحسين الأوضاع. ومع خفوت بريق هذا الملف، بات لزاماً على مليشيات الحوثي خلق عدو داخلي جديد متمثل في شبكات التجسس لتستمر في توجيه الغضب الشعبي بعيداً عن مطالبهم الأساسية بالمرتبات والحقوق، وهو تكتيك تقليدي تستخدمه الأنظمة الاستبدادية لصرف الأنظار عن خواء مشروعها السياسي والاقتصادي الذي يهدد حياة الملايين.

تداعيات التلويح بالتجسس

إن استمرار سياسة الاختطافات العشوائية تحت غطاء التجسس لا يمثل فقط انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، بل يهدد أيضاً بتقويض جهود الإغاثة الدولية في اليمن، الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالمياً.

 التخويف المستمر لموظفي الإغاثة يعوق وصول المساعدات الضرورية للملايين، بينما يؤدي استهداف الأكاديميين والناشطين إلى خنق أي صوت معارض وتكريس حالة من الرعب والخوف، ما يؤكد أن هدف البيان ليس حماية الأمن، بل تصفية الحسابات السياسية وقمع أي محاولة للمطالبة بوقف الانهيار الذي يهدد حياة ملايين اليمنيين، في محاولة لتغطية الشمس بغربال البطولات الأمنية المزعومة.