مذبحة القضاء.. قرارات حوثية تعين قضاة خريجي دورة سلالية

في خطوة صادمة وصفت بأنها إعلان وفاة رسمي لاستقلال القضاء ومؤسسات دولة النظام والقانون في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، أقدمت الأخيرة على إصدار قرارات بتعيين ما يقارب 100 شخص في سلك القضاء. 

ووفقاً لمصادر قضائية ومحامين في صنعاء، فإن هؤلاء المعينين يفتقرون إلى الحد الأدنى من المؤهلات الأكاديمية والمهنية المطلوبة؛ إذ لم يدرسوا في كليات القانون أو المعهد العالي للقضاء، واعتمد تعيينهم فقط على اجتياز دورة تدريبية حوثية سريعة شكّلت الغطاء الشكلي لهذا التعيين الواسع. هذه الخطوة تمثل طعنة غير مسبوقة في خاصرة العدالة اليمنية، وتكريساً لسياسة الحكم السلالي الإقطاعي الذي يهدف إلى تطهير المؤسسات واستبدال الكفاءات.

ولشرعنة إدخال عناصر سلالية حوثية جديدة لا تتوافر فيها الشروط المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية، أجرى الحوثيون تعديلات جذرية وغير دستورية على القانون، معلنين بذلك انقلاباً آخر على الهيكل القانوني للدولة.

وأكدت مصادر قانونية أن هذه التعديلات شملت مواد تسمح لأشخاص لا تتوافر فيهم شروط القاضي بالتعيين، متجاوزة شرط الحصول على شهادة جامعية في الشريعة والقانون أو الحقوق، وملغية شرط التخرج من المعهد العالي للقضاء الذي يُعد المسار الوحيد للتأهيل المهني. 

هذا الإجراء يهدف إلى إحلال مفهوم الإجازة أو الدورات الحوثية السريعة محل المؤهل الأكاديمي والقانوني الرسمي، وهو ما يُعد انتكاسة تاريخية تعود بالقضاء إلى مراحل ما قبل الدولة المدنية الحديثة.

 هذا الاختراق هو جزء من حملة أوسع لتعبئة السلك القضائي بالعناصر الموالية قد تصل أعدادها إلى مئات الأشخاص، مما يؤكد أن الهدف هو إفراغ السلطة القضائية من الكفاءات المستقلة واستبدالها بعناصر تضمن تطبيق الأجندة الأيديولوجية والمالية للسلطة الانقلابية القائمة.

شرعنة شكلية لإجراءات قائمة على التمييز والإقصاء

تثير هذه التعيينات سخرية وذهولاً في الأوساط القانونية، ليس فقط لكونها تخالف صراحة قانون السلطة القضائية، بل لأنها صدرت بشكل مثير للجدل تحت عبارة "بناءً على دستور الجمهورية اليمنية واستناداً إلى القانون".

 هذه الصياغة تسعى إلى إضفاء شرعية شكلية زائفة على قرارات جوهرها تمييز وإقصاء، حيث تُشير المعلومات إلى أن التعيينات تركزت على فئة اجتماعية محددة، مما يُعد انتهاكاً صارخاً لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي هو حجر الزاوية في أي دولة حديثة.

 هذا النهج يرسخ مبدأ الاختيار على أساس الولاء أو الانتماء السلالي بدلاً من الكفاءة والمؤهل العلمي.

وقد وصف نادي قضاة اليمن ونقابة المحامين اليمنيين في وقت سابق هكذا تعديلات وإجراءات بأنها "مذبحة" وانقلاب قضائي خطير، وأنها تقوض استقلال القضاء وتخالف الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات.

آثار كارثية

يؤكد محامون وقانونين أن إغراق السلك القضائي بعناصر غير مؤهلة علمياً ومهنياً، وتعيينهم على أسس غير قانونية، يهدد بإحداث آثار كارثية طويلة المدى على المجتمع والأفراد.

 أولاً، سيؤدي هذا الإجراء إلى فقدان كامل للثقة في نزاهة وحياد الأحكام القضائية الصادرة، حيث سيُصبح القضاة الجدد عرضة لـتطبيق الأجندة السياسية والأيديولوجية السلالية للسلطة القائمة بدلاً من تطبيق صحيح القانون، مما يُنهي مفهوم حياد القاضي. 

ثانياً، يمثل هذا التعيين تقويضاً مباشراً للأمن القانوني، فبإصدار أحكام من قضاة غير ملمين بأسس القانون وإجراءات التقاضي، ستُصبح حقوق وحريات وممتلكات المواطنين مهددة بشكل مباشر، وستفقد هذه الأحكام أي اعتراف دولي أو محلي موثوق. كما أن إدراج مواد خطيرة تمنح القاضي المعين سلطة إيقاف المحامي عن الترافع لسنوات، هو تفكيك لمهنة المحاماة وسلب لحق المواطن في الدفاع عن نفسه. 

القضاء هو آخر ما تبقى من سلطة تحمي الأفراد من بطش السلطات التنفيذية، والانقلاب بشكل عام وبتدميره بهذه الطريقة، تكون مليشيا الحوثي قد أنهت آخر مظاهر الدولة المدنية.