زكاة إب.. موارد كبيرة تُجمع من أفواه الفقراء وتُنقل إلى مراكز النفوذ في صنعاء وصعدة (تقرير)

تشهد محافظة إب، وسط اليمن، حالة من السخط الشعبي المكتوم تجاه إدارة "هيئة الزكاة" المستحدثة التابعة لمليشيا الحوثي، وسط اتهامات متصاعدة بتحويل مليارات الريالات التي تحصل سنوياً من تجار وسكان المحافظة إلى مراكز نفوذ قيادية في صنعاء وصعدة، وعدم إعادة سوى نسبة محدودة منها تصل – بحسب مصادر محلية – إلى أقل من 30%، تُصرف أغلبها على فعاليات وأنشطة طائفية تخدم أجندة المليشيا، بدلاً من أن تذهب إلى الفقراء والمستحقين من أبناء المحافظة.

إب، التي تُعد من أكبر المحافظات اليمنية كثافة سكانية، تعاني ارتفاعاً كبيراً في معدلات الفقر والبطالة. وبرغم ذلك، فإن مكتب هيئة الزكاة فيها يُحصّل مبالغ وصفها تجار ومراقبون بأنها "تقدّر بالمليارات سنوياً"، تُحوّل مباشرةً إلى الهيئة المركزية بصنعاء، ومنها إلى قيادات بارزة داخل مليشيا الحوثي.

ويؤكد تجار وموظفون سابقون في مكتب الزكاة أن ما يعود لمحافظة إب كـ"مخصصات للفقراء" لا يتجاوز 30% من إجمالي الأموال المحصّلة، وأن هذه النسبة القليلة تُستهلك بدورها في دعم فعاليات ومناسبات ذات طابع مذهبي وطائفي تقيمها الجماعة في المدينة.

ولم يقف الأمر عند الجانب المالي؛ إذ يشير موظفون إلى أن مكتب الزكاة في إب يشهد تمييزاً وظيفياً ممنهجاً ضد أبناء المحافظة، لصالح عناصر تم جلبهم من محافظة ذمار، ينتمون في الغالب إلى أسر متنفذة داخل الجماعة. بحسب الوثائق التي تم تقديمها، بلغ عدد الموظفين المنقولين أو المعينين من محافظة ذمار إلى مكتب زكاة إب 33 موظفاً، معظمهم من أسرة واحدة هي أسرة "التينة"، ومن بينهم عبده التينة مدير العقارات وشقيق المدير ماجد التينة، فواز التينة في قسم العقار المباع، نصار التينة في فرع الظهار، حمدان التينة في فرع الظهار، مبارك التينة في فرع المشنة، بالإضافة إلى عدد من الموظفين الآخرين في أقسام متعددة تغطي الموارد، الصرف، المتابعة، أمين الصندوق والإدارة العامة، ما يعكس سيطرة واضحة لعائلة واحدة على أهم المناصب داخل المكتب.

إلى جانب ذلك، تم إيقاف اثنين من أبناء إب من ذوي الكفاءة والخبرة هما محمد محمد الشيبة الذي عمل بجد على مدى خمس سنوات وبشير اليمني، بشكل وصفه الموظفون بأنه "تعسفي وعنصري ومناطقي" وغير مسبوق داخل المحافظة، ما أثار موجة استياء بين عدد من أبناء مدينة إب والموظفين الذين اعتبروا هذا الإجراء انتهاكاً صارخاً للحقوق الوظيفية والمساواة في الفرص.

اختلاس وغياب المساءلة

تشير البيانات التي تم عرضها، إلى تسجيل قضايا اختلاس مالي داخل المكتب، بعضها ارتبط بموظفين من خارج المحافظة، مثل قصي الكلبي – أمين صندوق فرع الظهار – سُجن على خلفية اختلاس 60 مليون ريال. ورغم ذلك، أفادت مصادر بأن مُنح البعض ترقيات أو إعادة تعيين بدلاً من مساءلتهم، في حين يُستهدف أبناء إب بالإيقاف والتهديد بالفصل، وهو ما يعكس غياباً واضحاً للمساءلة والشفافية في إدارة الزكاة بالمحافظة.

نتائج هذه السياسات، وفق مراقبين، انعكست على المجتمع بشكل مباشر؛ فقد تم حرمان آلاف الأسر الفقيرة من حقها الشرعي في أموال الزكاة، وتزايد الشعور بالظلم الاجتماعي والتمييز المناطقي، كما أدى ذلك إلى انهيار الثقة بين المواطنين والمؤسسات التي يفترض بها خدمة المجتمع المحلي.

يطالب سكان وناشطون من أبناء إب بـإعادة النظر في إدارة مكتب الزكاة بالمحافظة، وإعادة الموظفين الموقوفين دون مسوغ قانوني، وتخصيص أموال الزكاة لأبناء المحافظة وفق القانون الشرعي، ووقف عمليات الإقصاء الوظيفي على أساس الانتماء المناطقي أو الولائي، مؤكدين أن استمرار هذه السياسات يفاقم الأزمة المعيشية ويزيد من التوتر الاجتماعي في المحافظة.

ما يحدث في إب نموذج متكرر في مناطق أخرى التي تخضع لسيطرة الحوثيين، لكن شدته في محافظة مثل إب تكمن في فقرها وكثافة سكانها الذين يحتاجون إلى كل ريال يجمع باسمهم. وفي الوقت الذي يُفترض أن تكون الزكاة وسيلة لإغاثة المحتاجين، تحولت – بحسب شهادات العاملين والتجار – إلى أداة مركزية للتمويل السياسي، والطائفي ويظل السؤال الذي يردده أبناء إب: "متى تعود زكاة إب لأهل إب؟".