في مسعى لطمس الهوية اليمنية.. الحوثيون يغيبون الأعياد الوطنية لصالح مناسباتهم الطائفية

ألغت مليشيا الحوثي خلال السنوات الأخيرة كافة مظاهر الاحتفاء بالأعياد الوطنية اليمنية، وعلى رأسها عيد ثورة 26 سبتمبر 1962 التي أنهت الحكم الإمامي الكهنوتي، وثورة 14 أكتوبر 1963 التي طردت الاستعمار البريطاني من جنوب الوطن، وعيد الوحدة 22 مايو 1990، وعيد الجلاء في 30 نوفمبر 1967.

وبررت الجماعة هذا الإلغاء بذريعة أن هذه المناسبات "لم تحقق أهدافها"، في محاولة مكشوفة لإفراغها من رمزيتها التاريخية والوطنية، بينما خصصت جل إمكاناتها لإحياء ذكرى انقلابها في 21 سبتمبر 2014، وتقديمها على أنها "ثورة شعبية".

في المقابل، تواصل المليشيا الاحتفاء بشكل مبالغ فيه بالمناسبات الطائفية مثل عيد الغدير، والولاية، ويوم الصرخة، وأسبوع الشهيد، والحسينيات، والمولد النبوي. وتحولها إلى مواسم سنوية للحشد والتعبئة السياسية والعسكرية، وتعمل على تسخير الإعلام الرسمي والخاص، واستدعاء خطباء المساجد، وتنظيم لقاءات قبلية، إلى جانب إقامة احتفالات مركزية ضخمة في العاصمة المختطفة صنعاء وعدد من المدن، وفعاليات موسعة في الأرياف.

ولم تتوقف مظاهر الاحتفاء عند الجانب الرمزي، بل باتت مرتبطة بفرض جبايات مالية تحت مسمى "دعم الفعاليات"، حيث يجري ابتزاز التجار والمواطنين ومؤسسات الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين. ووفقاً لمصادر محلية، فإن هذه المناسبات تحولت إلى أداة ضغط وابتزاز اقتصادي، ترفد خزائن الجماعة بمليارات الريالات سنوياً، وتستخدم عائداتها في تمويل جبهات القتال.

ويرى مراقبون أن هذا السلوك يعكس توجهاً ممنهجاً لطمس الهوية الوطنية اليمنية الجامعة، وقطع الصلة بالمنجزات الكبرى التي حققتها الثورات اليمنية، والتي أسست لمرحلة جديدة من الحرية والسيادة والوحدة، مؤكدين أن الحوثيين يسعون عبر هذا المسار إلى تكريس مشروع الإمامة الذي أسقطته ثورة 26 سبتمبر قبل أكثر من ستة عقود.

ويأتي هذا في ظل تصعيد حوثي ضد العمل السياسي، حيث كثفت الجماعة من اختطاف قادة ونشطاء الأحزاب، وألغت مؤخراً احتفالية المؤتمر الشعبي العام بذكرى تأسيسه، وصولاً إلى اختطاف أمينه العام، في خطوة وُصفت بأنها استهداف مباشر لما تبقى من مظاهر التعددية السياسية في اليمن.

ويحذر خبراء سياسيون من أن إلغاء الأعياد الوطنية لصالح مناسبات مذهبية ضيقة يهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي اليمني وتعميق الشرخ الوطني، خصوصاً أن هذه المناسبات يتم توظيفها لتغذية الصراع الطائفي، وإعادة إنتاج خطاب الإمامة الذي ثار عليه اليمنيون في ستينيات القرن الماضي.

وبينما تتوارى الأعلام الوطنية والرموز الجمهورية من شوارع صنعاء ومدن أخرى، تحضر بقوة رايات الجماعة وشعاراتها الطائفية، في مشهد يلخص التحول الكبير الذي تحاول فرضه على الوعي الجمعي، وسط مقاومة شعبية صامتة تتشبث بذاكرة وطنية صنعها اليمنيون بدمائهم وتضحياتهم.