أتلانتك كاونسل: العراق يقف حجر عثرة أمام مشروع إيران متمثل بممر بري يصل طهران بالأبيض المتوسط

“الرفض العراقي المتنامي للنفوذ الإيراني، والدعم الخليجي المتواصل، والمعارضة الأمريكية لرؤية طهران التوسعية، والاحتجاجات الشعبية الغاضبة في شوارع إيران، جميعها عوامل ستمنع إيران من إكمال مشروعها المتمثل في ممر بريّ واصل بين طهران والبحر الأبيض المتوسط”، هذا ما ذكره الباحث آفي ميلاميد، في مقالته في مركز أبحاث “أتلانتك كاونسل” الأمريكي.

منذ أن استولى على السلطة عام 1979، تمثل هدف النظام الإيراني الرئيس في جعل إيران قوة عسكرية إقليمية من أجل غرض جوهري؛ هو منح الشيعة منزلة حكام العالم الإسلامي. ومن أجل تنفيذ هذه الغاية، تبنى الإيرانيون إستراتيجية بناء ممر بري يمتد من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط.

ومن أجل توسيع سلطتها ونفوذها، تقوم طهران بتسليح ودعم وكلاء مثل حزب الله في لبنان، وحماس في قطاع غزة، وجماعة الحوثي في اليمن، فضلًا عن ميليشيات شيعية في العراق وسوريا.

فهل ستنجح إيران في استكمال ممرها البري؟ من خلال تحليل الوضع الحالي في العراق، يمكن الجزم بحدوث تطورات قابلة للتمييز، من شأنها أن تحبط خطة إيران لاستكمال السيطرة على الممر، أو حتى الحفاظ عليه. يمثل العراق عنصرًا حاسمًا في مهمة الهيمنة الإيرانية؛ فهدف طهران في العراق هو زراعة قاعدة سياسية وعسكرية قادرة على تمكين النظام الإيراني من توجيه السياسات العراقية الداخلية والخارجية بما يخدم المصالح الإيرانية.

لقد أضرت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة بآفاق هذا المنظور؛ فهي تشير بشكل واضح إلى أن معظم العراقيين يرفضون نفوذ إيران وتدخلاتها المتنامية في بلادهم. إن أكبر كتلة سياسية عراقية، تحالف الإصلاح والإعمار، بقيادة الرجل الشيعي القوي مقتدى الصدر، ترفض تدخل طهران في العراق وشؤونه. وبرغم ذلك، لا يزال النظام الإيراني يتمتع بتأثير قوي على السياسة العراقية. أما ثاني أكبر كتلة، ائتلاف حزب الفتح العراقي المرتبط بإيران، فتقوده ميليشيات شيعية مدعومة من طهران. بينما حزب دولة القانون، بقيادة رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي، فهو أحد توابع طهران بشكل جلي.

في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تلقى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي تفويضًا من الرئيس العراقي الجديد برهم صالح لتشكيل الحكومة العراقية، بمباركة الولايات المتحدة وإيران. أما المملكة العربية السعودية والكويت، فقد رحبتا بهذا الترشيح، لا سيما أن الشخصية الأكثر تأثيرًا في السياسة العراقية، آية الله علي السيستاني، الذي يعارض النظام الإيراني وتدخلاته في العراق سياسيًا وأيديولوجيًا، قد بارك ترشيح المهدي. كل هذا يشير بوضوح إلى أن الجهات السياسية العراقية الفاعلة، التي تعارض التدخل الإيراني في بغداد، لديها اليد العليا اليوم بشكل مؤكد.

قد يعتقد البعض أن العرب السنة والأكراد هم فقط من يعارضون التدخل الإيراني، لكن هذا غير صحيح. فهنالك رفض واسع النطاق للتدخل الإيراني في صفوف الشيعة العراقيين. وقد تجلى هذا الرفض المطلق لإيران في خطابات رجال الدين الشيعة الكبار في العراق -من أبرزهم السيستاني- ما أدى إلى احتجاجات جماهيرية انتشرت بسرعة في المناطق الشيعية جنوب العراق، خلال منتصف يوليو/تموز 2018.

خرج سكان المنطقة الغنية بالنفط إلى الشوارع للاحتجاج على الفساد، ونقص المياه النظيفة، وانقطاع الكهرباء، وسوء الخدمات الحكومية، وقلة الوظائف. كشفت أعمال الشغب هذه عن مشاعر عميقة معادية لإيران في صفوف الشيعة، تجلت في شعارات مناهضة لطهران، وهجمات على مقرات وممتلكات تابعة لجماعات عراقية موالية لإيران، كان آخرها إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة.

هنالك مؤشرات أخرى على رفض العراق للنفوذ الإيراني؛ ففي يوليو/تموز 2018، أعلنت بغداد عن خطط لبناء سياج بطول 600 كيلو متر على الحدود العراقية – السورية. وأشارت تقارير في آب/أغسطس إلى أن الجيش العراقي منع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران من العبور من وإلى سوريا. وفي بداية أيلول/سبتمبر، أصدر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بيانًا يقول فيه: “لن أضحي بالشعب العراقي على مذبح إيران”.

كما أن بغداد غير مستعدة للتضحية بعلاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي تواجه اليوم الخطر الإيراني المحدق. ومن الجدير ذكره في هذا السياق، أن الدول الخليجية تعتبر مستهلكًا رئيسًا للسلع العراقية، وتشكل مصدرًا كبيرًا للتمويل اللازم لإعادة تأهيل العراق.

في شباط/فبراير، عقدت الكويت مؤتمرًا لإعادة إعمار العراق، عمل على جمع 25 مليار دولار. وبرغم أن التعهدات لم تلبِ السعي العراقي، إلا أن حقيقة استضافة الكويت للمؤتمر تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة للعراقيين. أثبتت الكويت مرونتها فيما يتعلق بخطى المدفوعات، بل ووفرت لبغداد معدات لتحلية المياه، وإنتاج الكهرباء، من أجل مساعدة المدن الجنوبية التي تعاني من نقص المياه والكهرباء ومن الاعتماد على طهران. وفي المقابل، يتوقع مجلس التعاون الخليجي من الحكومية العراقية أن تكبح النفوذ الإيراني في البلاد.

وبالمثل، من شأن العقوبات الأمريكية المتواصلة على طهران أن تعيق الخطة الإيرانية للسيطرة على الممر، في ظل الأزمة المالية الخانقة في إيران. كما أن الاحتجاجات الشعبية الغاضبة في مختلف المدن الإيرانية، من شأنها أن تشجع النخبة الحاكمة على إعادة حساباتها في سياستها التوسعية.

ومما لا شك فيه أن إيران ستواصل محاولة بناء الممر البري، والحفاظ عليه بشكل دائم. إلا أن الرفض العراقي القوي للتدخل الإيراني، بدعم من دول مجلس التعاون الخليجي، واعتراض الولايات المتحدة على رؤية طهران التوسعية، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وتراكم التوترات في إيران، كل ذلك سيعيق السعي الإيراني نحو ممرٍ لا يخدم سوى الهيمنة الشيعية على الدول الأخرى.

بالنسبة للعراق، فإن مستقبل الممر الإيراني يبقى جزءًا لا يتجزأ من معركته حول هويته واستقلاله. ومع اقتراب عام 2018 من نهايته، ستواصل المعسكرات الوطنية العراقية تعزيز موقفها لكبح النفوذ والتدخل الإيرانيين في العراق.

*كيو بوست