المرأة تحت القمع الحوثي.. تحديات اجتماعية واقتصادية تهدد حقوقها

تعيش المرأة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، منذ سنوات، تحت وطأة تحديات كبيرة ومتنوعة تتراوح بين القيود الاجتماعية المفروضة عليها، وتأثيرات التطرف والانتهاكات الحوثية المستمرة على حياتها اليومية. ورغم الدور الحيوي الذي تلعبه النساء في المجتمعات اليمنية، إلا أنهن يواجهن صعوبات غير مسبوقة في ظل الأوضاع الراهنة التي تتسم بانتهاك حقوقهن، وتقييد حرياتهن، وغياب فرص التمكين الاقتصادي والاجتماعي. هذه التحديات لا تقتصر على محافظة بعينها، بل تشمل جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، من صعدة شمالًا إلى الحديدة غربًا، مرورًا بصنعاء وذمار وإب وغيرها من المحافظات.

قيود اجتماعية وانتهاكات مستمرة

لا تقتصر ممارسات مليشيا الحوثي على الحرب العسكرية وحدها، بل تمتد لتشمل فرض قيود اجتماعية صارمة على حياة المرأة. في ظل هذه المليشيا، تُجبر النساء على الالتزام بممارسات وطقوس سلالية وخرافية، خاصة بالمشروع السلالي الخميني، وبأساليب أكثر صرامة، حيث تُفرض عليهن المشاركة في فعاليات طائفية دخيلة على المجتمع اليمني، والابتعاد عن أي مشاركة في الفعاليات الاجتماعية العامة أو السياسية والثقافية الوطنية الهادفة. تعكس هذه السياسات رغبة الحوثيين في السيطرة على كافة تفاصيل الحياة اليومية للسكان، بما في ذلك التفاعلات الاجتماعية الخاصة بالنساء. كما أن التحركات النسائية، حتى في الأعمال الخيرية أو التعليمية، تواجه صعوبة كبيرة نتيجة للتشديدات الأمنية والمراقبة المستمرة من قبل المليشيا.

لكن القيود المفروضة على النساء تتجاوز الأمور الشكلية إلى حدّ التهديد المادي والمعنوي. فقد تمارس المليشيا العنف ضد النساء اللواتي يخالفن تعليماتها، سواءً في الشارع أو داخل أسرهن، في أوقات كثيرة تصل إلى الاختطافات العشوائية والتعذيب النفسي. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الزواج المبكر أحد أبرز الممارسات السائدة في هذه المناطق، حيث تضغط مليشيا الحوثي على العائلات لتزويج بناتهم في سن مبكرة، وهو ما يعكس اعتداءً صارخًا على حقوق الطفولة والنساء على حد سواء.

المرأة في سوق العمل.. ضغوط اقتصادية مضاعفة

أما في الجانب الاقتصادي، فتواجه المرأة في مناطق سيطرة الحوثيين تحديات مضاعفة، فاقتصاد تلك المناطق يعاني من انهيار كبير نتيجة للحرب والجبايات الحوثية، مما يفاقم من أزمة البطالة في صفوف النساء، ويفقدهن القدرة على توفير مصادر دخل مستقلة. في الوقت ذاته، لا تتيح سوق العمل في المناطق الخاضعة للحوثيين فرصًا كافية للنساء للعمل بشكل لائق. فالمجالات المهنية التي تسمح المرأة بدخولها تقتصر على العمل في القطاعات التي لا تحتاج إلى مؤهلات عالية، مثل الأعمال اليدوية أو في المجالات التي لا تضمن لها حقوقًا أساسية كالتأمين الاجتماعي أو حماية ضد الاستغلال. تُجبر النساء في كثير من الأحيان على العمل في قطاعات غير رسمية، مثل الأعمال المنزلية أو في الحرف اليدوية التي غالبًا ما تكون مشروعة على الورق، لكنها تفتقر إلى شروط العمل الآمنة أو عادلة. من جهة أخرى، فإن القيود على التنقل وحركة المرأة في هذه المناطق تزيد من صعوبة بحثها عن فرص عمل خارج نطاق الأماكن التقليدية.

المرأة والصحة

تتزايد المعاناة الصحية للنساء في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، نتيجة لانعدام الرعاية الصحية الملائمة، خصوصًا في المناطق الريفية والنائية. مستشفيات تلك المناطق تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يزيد من صعوبة توفير العلاج اللازم للنساء، خاصة في ما يتعلق بصحة الأم والطفل. النهب الحوثي المنظم والظروف الاقتصادية السائدة جعل المرافق الصحية تتدهور، لتجد النساء أنفسهن في مواجهة مصير قاتم، خاصة في حالات الحمل والولادة. كما تنتشر الأمراض المعدية، مثل الملاريا والكوليرا، بشكل واسع في معظم المناطق بسبب غياب النظافة وشبكات الصرف الصحي المتردية. وتواجه النساء اللواتي يعشن في هذه المناطق تحديات إضافية في تلقي العلاج بسبب قلة الخدمات والأطباء المتخصصين، والنقص الكبير في الدعم الصحي من المنظمات الإنسانية بسبب القيود المفروضة على عمليات الإغاثة.

العنف

تزداد مشكلة العنف ضد المرأة في مناطق سيطرة الحوثي بشكل غير مسبوق. فعلى الرغم من التصريحات الرسمية التي تروج لحماية حقوق المرأة، إلا أن الواقع يشير إلى أن العنف ضد المرأة أصبح جزءًا من الحياة اليومية في ظل النزاع المسلح، والانفلات الأمني الكبير، وارتفاع معدل الجريمة. وقد تكون النساء في هذه المناطق أكثر عرضة للعنف الجنسي والعنف الأسري، إضافة إلى القتل والاختطاف بسبب المعارضة السياسية أو التهم التي قد تكون غير صحيحة. تشير تقارير حقوقية إلى أن النساء في تلك المناطق لا يحصلن على الحماية القانونية المناسبة من العنف، حيث لا توجد قنوات فعالة أو محاكم يمكن للنساء اللجوء إليها لمقاضاة المعتدين. إن قضايا العنف ضد المرأة، سواء كانت في إطار الحرب أو داخل الأسرة، لا تجد الاهتمام الكافي، ويظل عدد كبير من الضحايا في صمت تام خوفًا من الانتقام.

إقصاء الكفاءات

من أبرز الانتهاكات التي تعرّضت لها المرأة في مناطق سيطرة الحوثيين هو إقصاء الكفاءات النسائية في مختلف القطاعات والمؤسسات التي لا تنتمي إلى الحوثيين أو لا تدين لهم بالولاء. في سعيها لتعزيز سيطرتها على المؤسسات العامة والخاصة في تلك المناطق، عمدت المليشيا الحوثية إلى استبدال الكفاءات النسائية القادرة على إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية بنساء من أتباعها، خاصةً من "الزينبيات" أو النساء المنتميات إلى الأسر السلالية التابعة للمليشيا. هذه السياسات أدت إلى تهميش النساء المتعلمات والمتخصصات، وحرمانهن من حقهن في المناصب القيادية التي كانت في متناولهن قبل سيطرة الحوثيين. بدلاً من ذلك، تم استبدالهن بعناصر غير مؤهلة ولا تتمتع بالكفاءة اللازمة، مما أدى إلى تدهور أداء العديد من المؤسسات الحكومية والخدمية. وقد أثر هذا التوجه بشكل سلبي على حياة الكثير من النساء اللاتي خسرن وظائفهن بسبب سياسات الحوثيين، في وقت كانت هذه المناصب تمثل مصدرًا مهمًا لتمكينهن اقتصاديًا واجتماعيًا.

منظمات المجتمع المدني.. جهود رغم الصعوبات

في ظل هذه التحديات، تبذل العديد من منظمات المجتمع المدني جهودًا ملحوظة لدعم حقوق المرأة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، رغم المعوقات الكبيرة التي تواجهها. تركز هذه المنظمات على تقديم الدعم القانوني والنفسي للنساء، بالإضافة إلى تقديم برامج تعليمية وتدريبية تهدف إلى تمكين المرأة اقتصاديًا من خلال ورش العمل والمشاريع الصغيرة. كما تسعى بعض المنظمات إلى التوعية بحقوق المرأة وحمايتها من العنف من خلال حملات إعلامية ومبادرات توعية تستهدف المجتمعات المحلية. ورغم القمع المستمر، تواصل هذه المنظمات العمل على تقديم المساعدة للأسر التي تعاني من الفقر، مع التركيز على تمكين النساء في الريف والمناطق النائية. ورغم ما تتعرض له تلك المنظمات من قمع واختطاف للعاملين فيها وتلفيق التهم غير الصحيحة لهم.

تظل المرأة في مناطق سيطرة الحوثيين رهينة للأوضاع الأمنية والاقتصادية المتدهورة، ويستمر العديد من حقوقها في المعاناة من التهميش. في ظل سياسة الانقلاب الحوثي والانتهاكات المستمرة، والتضييق على الحريات، وغياب الدعم الصحي، يبقى الوضع قاتمًا بالنسبة للنساء في تلك المناطق. ومع ذلك، من الضروري جدًا أن تظل الجهود المستمرة من قبل منظمات المجتمع المدني والتضامن الدولي في حماية النساء في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، فذلك الطريق الوحيد لتحسين هذه الأوضاع، في ظل القمع الحوثي.

إن المطلوب اليوم هو دعم دولي أكبر، وتدخلات فاعلة لحماية حقوق المرأة في هذه المناطق، ولتوفير بيئة أكثر أمانًا وصحة للأجيال القادمة من النساء.