تعز.. فنانون يصنعون مجسمات من رماد الحرب
في مدينة تعز، التي طالتها ويلات الصراع وتناثرت فيها بقايا القذائف والرصاص، يسطع نور فني جديد يرفض الاستسلام للخراب. مجموعة من الفنانين الشباب اختاروا أن يتحدوا الموت والإحباط بأدواته نفسها، محوّلين مخلفات الحرب المدمرة إلى مجسمات فنية تنبض بالحياة، تروي قصص الصمود اليمني والإصرار على البقاء.
لم يكتفِ هؤلاء الفنانون بتوثيق الحرب بالكلمة أو الريشة التقليدية، بل ذهبوا إلى قلب الدمار ليجمعوا بقايا الرصاص الفارغ، شظايا القذائف، قطع الحديد المشوهة، وأغلفة الذخائر. وبمهارة ودقة لافتة، أعادوا تشكيل هذه "النفايات القاتلة" لتبصر النور مجسمات فنية رائعة تجسد رموزاً للحياة اليومية في تعز.
تقول إحدى الفنانات المشاركة في هذا العمل: "كنا نرى هذه المخلفات كدليل على الموت، لكننا قررنا أن تكون دليلاً على أن الحياة أقوى. كل قطعة رصاص فارغ نستخدمها هي رسالة بأننا لن نطلق النار، بل سنطلق الفن والأمل".
تنوعت المجسمات لتشمل مشاهد أيقونية: الأم الحامل رمز للأمل والمستقبل. الطفل المقاوم: إشارة إلى جيل يصر على التعلم واللعب رغم الحصار. مجسمات للمباني التاريخية: تذكير بجمال المدينة الذي يسعى الفن للحفاظ على روحه. الطائرة الورقية: تجسيد لحرية الحركة التي سُلبت من أبناء المدينة.
تعرض هذه الأعمال في معارض مصغرة، لتصبح متنفساً ومحطة تأمل لسكان تعز، الذين وجدوا فيها ترجمة صامتة لمرارتهم وصمودهم.
يشير النقاد إلى أن هذا الفن ليس مجرد تدوير للمخلفات، بل هو شكل من أشكال "المقاومة الثقافية". إنه يمثل إعلاناً بأن الذاكرة الجمعية لن تسمح للمواد الحربية بأن تظل مجرد رمز للدمار، بل ستتحول إلى أداة لبعث الجمال.
إن تجربة فناني تعز هي دعوة صريحة للمجتمع الدولي للالتفات إلى الأثر النفسي والبيئي للحرب، وفي الوقت ذاته، هي شهادة حية على أن روح الإبداع اليمني لا يمكن أن تُهزم أمام أي آلة حرب.
يشار إلى أن مؤسسة إرم للتنمية الثقافية هي من تنفذ هذا المشروع بتمويل من الاتحاد الأوروبي ومعهد جوته الألماني.