أوصال اليمن المتقطعة: 17 قتيلاً حرقاً في شاحنة نقل بأبين يلخصون المأساة
لم تعد الرحلة بين المحافظات اليمنية مجرد انتقال اعتيادي، بل أصبحت ملحمة يومية من العذاب والمخاطر، يدفع ثمنها المسافرون والمغتربون من أرواحهم وممتلكاتهم.
مع استمرار إغلاق الطرق الرئيسة والاستراتيجية التي تفصل بين مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ومناطق سيطرة مليشيا الحوثي، تحولت الطرق البديلة إلى شرايين موت تنهك اليمنيين، في ظل تعنت واضح يرفض تدويل هذا الملف الإنساني وفتحه دون شروط، وخصوصاً تلك الطرق الحيوية التي تربط اليمن بالمملكة العربية السعودية عبر المنافذ الدولية.
الموت حرقاً في العرقوب.. حادث أبين يجسد الثمن الباهظ
في مشهد هز الضمير، جسّد الحادث المروري المروع الذي شهده طريق العرقوب الجبلي في محافظة أبين جنوبي البلاد، الثمن الباهظ لقطع الطرق. حيث أفادت مصادر متطابقة بوفاة نحو 17 يمنيًا حرقًا, وإصابة آخرين، إثر اصطدام حافلة نقل دولي جماعي آتية من السعودية بسيارة أخرى، مما أدى إلى نشوب حريق التهم المركبتين.
هذا الحادث المأساوي الذي وقع على أحد أخطر الطرق البديلة، يفتح الباب واسعاً للتساؤل عن مدى سلامة الطرقات التي أُجبر اليمنيون على سلوكها، وعن غياب فرق الإطفاء والدفاع المدني والإسعاف، حيث استمر اشتعال النيران لوقت طويل قبل أن تنطفئ من تلقاء نفسها، لتتضح جريمة التقصير المركبة التي تسببت فيها مؤسسات الدولة الرسمية نتيجة إهمال صيانة هذه الطرقات الوعرة وغياب الرقابة على شروط السلامة الفنية والتشغيلية لحافلات النقل الجماعي التي تقطع مسافات طويلة.
تعنت حوثي يقصي حرض ويدفع نحو الوديعة
كانت الطرق الرئيسة، وعلى رأسها الخط الدولي الذي يخدم آلاف المغتربين والمسافرين، شريان حياة يختصر المسافات ويقلل التكاليف. اليوم، ورغم كل المناشدات، لا يزال تعنت ميليشيا الحوثي يرفض فتح خط حرض الدولي الأقرب والأكثر سلاسة للسفر إلى السعودية، مما يجبر المسافرين على سلوك طرق أطول وأكثر وعورة عبر منفذ الوديعة ومسارات صحراوية محفوفة بالمخاطر.
هذا الإغلاق أدى إلى ارتفاع جنوني في أجور النقل وتكاليف السلع الأساسية، ليتجاوز الارتفاع في بعض الأحيان 350%، فارضاً بذلك حصاراً اقتصادياً غير مباشر يثقل كاهل المواطنين.
المسافة التي كانت تُقطع بين مأرب وصنعاء في ساعتين، باتت تستغرق اليوم أكثر من عشر ساعات عبر مسارات خطرة ومجهدة.
أزمة تعز.. فتح جزئي ومعاناة مستمرة
وعلى صعيد الحصار المفروض على المدن، ورغم المبادرة التي أدت إلى فتح منفذ جولة القصر في تعز، فإن المعاناة لم تنته بعد. فبالإضافة إلى أن هذا المنفذ يُسمح بفتحه فقط من الصباح حتى المغرب ويُغلق ليلاً، فإنه لا يسمح بعبور المركبات الكبيرة وشاحنات نقل البضائع، مما يبقي على الأزمة الاقتصادية والإنسانية قائمتين.
وتستمر الحوادث المرورية المأساوية في الحدوث يومياً على طريق الأقروض الجبلي البديل، نظراً لضيق الطريق وازدحام حركة المركبات الصغيرة في الدخول والخروج من المدينة، لتتأكد بذلك الطبيعة الجزئية والمنقوصة لرفع الحصار، مع استمرار إغلاق الطرق الرئيسة الأخرى وتحويلها إلى خطوط تماس.
ألغام وابتزاز على شرايين الموت
إن الإصرار على إغلاق الطرقات ليس مجرد إزعاج لوجستي، بل هو تهديد مباشر لحياة المدنيين. فضلاً عن الحوادث المروعة التي تسببها الطرق البديلة، لا يزال خطر الألغام يتربص بالمغتربين، وخصوصاً العائدين من السعودية، على الطرق الصحراوية القريبة من خطوط التماس، حيث يسقطون ضحايا لهذه المتفجرات.
وتكتمل فصول المعاناة على نقاط التفتيش المنتشرة على طول الطرق البديلة، وخاصة تلك التابعة لميليشيا الحوثي، التي تحولت إلى بؤر للابتزاز وفرض الجبايات، كما يحدث ذلك من قبل بعض نقاط التفتيش التابعة للمجلس الانتقالي وتصل الممارسات فيها إلى الاعتقال والإخفاء القسري للمسافرين بتهم كيدية، في عملية ممنهجة لاستغلال معاناة الناس.
التعنت الحوثي.. مقايضة سياسية على حساب الملف الإنساني
تشير الجهود المحلية والدولية إلى أن ميليشيا الحوثي تقف حجر عثرة أمام فتح الطرقات، وترفض بشكل متكرر المبادرات المقدمة. يرى مراقبون أن إغلاق الطرق أصبح ورقة ضغط ومكسباً سياسياً وإنسانياً لا يمكن التفريط به بالنسبة للميليشيا، حيث يتم استخدام معاناة المواطنين للمقايضة في ملفات سياسية أخرى، وهو ما يتنافى مع القانون الدولي الإنساني ومبادئ الأخلاق.
هذا الاستخدام المتعمد للملف الإنساني كأداة ضغط سياسي يفاقم الأزمة ويزيد من تعقيدها، مما يوجب على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية تفعيل دورها والضغط الفعلي لإبعاد هذا الملف عن حسابات الصراع. إن استمرار إغلاق الطرق هو جريمة إنسانية مكتملة الأركان، تعمق الانقسام المجتمعي وتزيد من تفاقم الأوضاع المعيشية، ولا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال.