إجلاء الأجانب وترك اليمنيين.. خذلان أممي جديد في مناطق سيطرة الحوثي
قرار الأمم المتحدة بإجلاء موظفيها الأجانب من صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين بعد حادثة الاحتجاز داخل الكمباوند الخاص بسكنهم، لم يكن مجرد إجراء أمني عابر، بل رسالة مؤلمة لكل الموظفين اليمنيين الذين ما زالوا يواجهون الخطر يوميًا في مناطق سيطرة الحوثيين.
هذا القرار كشف بوضوح حجم التمييز القائم داخل منظومة يُفترض أنها وُجدت لتكافئ بين البشر لا لتفرّق بينهم.
نعم، ما حدث للموظفين الأجانب من احتجاز أمر مدان بكل المقاييس، ولا أحد يمكن أن يبرره. لكنّ ما يثير الغضب هو سرعة تحرك الأمم المتحدة لحمايتهم وإجلائهم، في الوقت الذي يتعرض فيه العشرات من الموظفين المحليين للاعتقال والإخفاء القسري منذ يونيو 2024 دون أن تُبدي المنظمة الدولية نفس القدر من الاهتمام أو التحرك.
خلال ثلاث حملات متتالية من الاعتقالات، لم نرَ موقفًا واضحًا و قويًا باستثناء بيانات ندين تلك الانتهاكات بحق الموظفين اليمنيين، وكأنهم فئة أقل استحقاقًا للحماية والكرامة.
وجود الموظفين الأجانب داخل مكاتب الأمم المتحدة يشكل، بطريقة غير مباشرة، مظلة أمان لليمنيين العاملين معهم. فوجود مسؤول أجنبي، له صفة أممية وصلاحية أوسع، كان يمنح المحليين بعض الطمأنينة، لأن الحوثيين كانوا يترددون في تجاوز حدود معينة عندما يتعلق الأمر بالأجانب.
أما اليوم، بعد مغادرتهم، أصبح الموظف اليمني وجهاً لوجه أمام سلطة ميليشيا لا تعرف سوى لغة القوة والابتزاز.
الأسئلة كثيرة ومؤلمة:
هل سيتمكن القائمون بأعمال الممثلين الأمميين من اليمنيين من إدارة العلاقة مع الحوثيين كما كان يفعل الأجانب؟
هل سيحظون بنفس الحماية أو القدرة على الوصول إلى القيادات التي يمكن أن تتدخل لوقف الانتهاكات؟
الواقع يقول لا، فكل المؤشرات تؤكد أن الحوثيين لا يقيمون أي اعتبار لموظف يمني مهما كانت صفته، حتى وإن كان يعمل تحت علم الأمم المتحدة.
عملياً إجلاء الأجانب بهذا الشكل ترك الموظفين المحليين في العراء، دون حماية، ودون صوت يتحدث عنهم. والأسوأ أن هذا القرار يكرّس التمييز داخل منظومة كان يُفترض أن تكون عنواناً للعدالة والمساواة.
من حق أي موظف أممي أن يغادر مكاناً لم يعد آمناً، لكن من واجب الأمم المتحدة أن تضمن ألا يكون ثمن تلك المغادرة هو تسليم زملائهم المحليين إلى سلطة الأمر الواقع، دون أي إجراءات أو ضمانات لحمايتهم.
ما يحدث اليوم ليس مجرد خطأ إداري أو قرار أمني متسرع، بل هو خذلان حقيقي لمن أفنوا سنوات من حياتهم في خدمة العمل الإنساني داخل ظروف قاسية.
الأمم المتحدة، التي ترفع شعار “لا أحد يُترك خلف الركب”، تركت بالفعل موظفيها اليمنيين خلف الركب. وتركتهم وحدهم في مواجهة الخطر.
*من صفحته على منصة إكس