غزة على حافة صفقة: تهدئة حذرة على وقع الانقسامات والحسابات المعقدة
في لحظة توصف بأنها من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تعود مفاوضات التهدئة إلى صدارة المشهد، وهذه المرة من بوابة الدوحة، حيث انطلقت جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة "حماس" بوساطة أميركية وقطرية ومصرية.
ورغم أن الجولة الأولى لم تُفضِ إلى نتائج نهائية، إلا أن أجواء التفاؤل الحذر طغت على تقييمات الخبراء والمراقبين، وسط رهان على لقاء محتمل بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب لحسم النقاط العالقة.
لكن السؤال الجوهري يظل مطروحًا: هل التهدئة المرتقبة مجرد استراحة مؤقتة أم بداية لمسار سياسي أوسع؟، وبينما تتضارب التقديرات، تتجمع خيوط المشهد على مفترق دقيق تتقاطع فيه الإرادات الدولية مع الانقسامات الداخلية، والرهانات الانتخابية مع موازين القوى في الميدان.
خريطة الطريق.. مناورات هدنة تحت سقف الحرب
تكشف وكالة "أسوشيتد برس" عن نسخة محدثة من مقترح وقف إطلاق النار، تتضمن تهدئة لمدة 60 يومًا مقابل إطلاق سراح 10 محتجزين إسرائيليين أحياء وتسليم جثامين 18 آخرين، في مقابل إفراج إسرائيل عن عدد غير محدد من الأسرى الفلسطينيين.
الصفقة تشمل أيضا انسحابا إسرائيليا من مناطق محددة داخل القطاع لتشكيل "منطقة عازلة" بمحاذاة الحدود، وتوسيع دخول المساعدات الإنسانية بإشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر الفلسطيني، دون ذكر مؤسسة "غزة الإنسانية" المثيرة للجدل والمدعومة أميركيا، والتي أثارت توترًا في الأوساط الفلسطينية.
لكن الأهم أن الوثيقة لا تنص على وقف دائم للعمليات القتالية، بل تفتح الباب لمفاوضات لاحقة خلال فترة الهدنة. وهذا ما يدفع العديد من الخبراء إلى توصيف الصفقة على أنها "جسر هش" بين جولة قتال وأخرى، أو محاولة مرحلية لتبريد جبهة غزة قبل إعادة تشكيل المشهد العسكري والسياسي.
المفاوضات دخلت العمق.. والتنفيذ هو المعضلة
في تقييم دقيق للمفاوضات الجارية، يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية في القاهرة، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية إن ما جرى في الدوحة حتى الآن هو "مفاوضات إجرائية لا جوهرية"، ركزت على تفاصيل تقنية حساسة، منها خرائط انسحاب القوات الإسرائيلية، وسجلات الأسرى، والبيانات الطبية للمحتجزين.
ويؤكد فهمي أن الاتفاق الإطاري تم التفاهم عليه مبدئيا، والاختلاف يدور حاليًا حول آلية التنفيذ، لافتًا إلى أن الوفد الإسرائيلي المشارك "يمتلك صلاحيات حاسمة"، ما يعكس مستوى أعلى من الجدية مقارنة بجولات التفاوض السابقة.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، يضع فهمي شرطا حاسما لتحقيق اختراق في الملف: الغطاء الأميركي. "إذا منح ترامب الضوء الأخضر، سيتم التنفيذ فورًا، أما إذا تراجع فسينهار الاتفاق".