خامنئي في مواجهة أخطر أزماته.. كيف تهدد الضربات الإسرائيلية وجود النظام الإيراني؟

في لحظةٍ فارقةٍ من تاريخ إيران الحديث، يجد المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه أمام اختبار وجودي غير مسبوق. الضربات الإسرائيلية المتتالية التي استهدفت قيادات عسكرية وأمنية رفيعة المستوى لم تُضعف فقط هيبة النظام الذي يحكمه منذ 35 عاماً، بل كشفت هشاشته أمام تحدٍ يختلف عن كل ما واجهه من قبل. فبعد عقود من إدارة الأزمات بمزيج من القمع الداخلي والتصدير الخارجي للمشكلات، ها هو النظام الإيراني يواجه تهديداً مزدوجاً: من الخارج، ضربات إسرائيلية ذكية تستهدف شرعيته الأمنية، ومن الداخل، شعبٌ منهكٌ يئن تحت وطأة الأزمات الاقتصادية.

يواجه المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أزمة غير مسبوقة مع الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي تهدد بقاء النظام الديني الذي يقوده وكذلك وجوده الشخصي، وذلك بعد أن تمكن طوال عقود من تجاوز سلسلة من التحديات الصعبة.

فخامنئي الذي يتولى قيادة إيران منذ وفاة آية الله روح الله الخميني عام 1989، حافظ على نظام الحكم رغم العقوبات الدولية والتوترات الإقليمية والاحتجاجات الداخلية التي قمعتها السلطات بعنف، كان آخرها الاحتجاجات النسائية عام 2022-2023.

ويواجه المرشد البالغ من العمر 86 عاماً تحديات مصيرية في ظل تصاعد الحديث عن مسألة الخلافة، حيث ستحدد قراراته الحالية مصير النظام الذي كان أحد أعمدة إقامته منذ الثورة الإسلامية عام 1979. كما أصبح وجوده الجسدي نفسه تحت التهديد، خاصة بعد أن كشف مسؤول أمريكي رفيع عن رفض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لخطة إسرائيلية لاغتياله، مع تأكيد إسرائيل أنها لم تستبعد هذا الخيار.

ويوضح أراش العزيزي، الباحث في جامعة بوسطن، أن "خامنئي في مرحلة غروب حكمه، حيث أصبحت الكثير من الصلاحيات اليومية بيد الفصائل المتنافسة على السلطة"، مضيفاً أن "الأزمة الحالية تعجل بهذا التحول".

أظهر نجاح إسرائيل في اغتيال شخصيات إيرانية رفيعة المستوى -منها قائد الحرس الثوري ورئيس أركان الجيش- قدرة الاستخبارات الإسرائيلية على تعقب القادة الإيرانيين، مما أثار تساؤلات حول إمكانية توجيه نتنياهو ضربة تستهدف خامنئي شخصياً. علماً أن تحركات المرشد الأعلى -الذي لم يغادر إيران منذ توليه المنصب- تخضع لأعلى درجات الحراسة الأمنية.

ويرى العزيزي أن "إسرائيل قد تعمل على تغيير النظام سواء بدعم انقلاب داخلي أو بمواصلة الاغتيالات رفيعة المستوى لإحداث تحول جذري في السياسة الإيرانية". فيما يشير كريم سجادبور من مؤسسة كارنيغي إلى أن خامنئي يواجه "معضلة من صنعه الخاص" في ظل تراجع قدراته الجسدية والعقلية على إدارة حرب تقنية عالية.

وبينما حافظ خامنئي طوال سنوات على سياسة تجنب المواجهة المباشرة مع الأعداء رغم خطابه العدائي ودعمه للميليشيات، جاءت الضربات الإسرائيلية الأخيرة لتمثل انهياراً لهذه الاستراتيجية. ويقول الخبير جيسون برودسكي إن "خامنئي الذي افتخر بمنع الصراعات من الوصول إلى الحدود الإيرانية، قد أخطأ التقدير هذه المرة".

ويمكن مقارنة الوضع الحالي بأوائل الثمانينيات عندما تعرض قادة النظام لهجمات من المعارضة، بما في ذلك محاولة اغتيال خامنئي نفسه عام 1981. لكن برودسكي يؤكد أن "التحديات الحالية أشد خطورة وتتطور بوتيرة قد تعجز طهران عن مجاراتها".

وجاءت الضربات الإسرائيلية الأولى -التي فاجأت القيادة الإيرانية- في توقيت حرج حيث كانت تستعد لمحادثات جديدة حول برنامجها النووي في عُمان، بينما كانت تراقب بقلق أي بوادر لاحتجاجات جديدة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وفي إشارة إلى أهداف أبعد، تحدث نتنياهو عن إمكانية أن تؤدي الضربات إلى "تغيير النظام"، معتبراً أن النظام الإيراني "ضعيف جداً" وأن معظم الإيرانيين يريدون التخلص منه، لكنه أكد أن هذا القرار يجب أن يتخذه الشعب الإيراني نفسه. بينما حذرت هولي داغرس من معهد واشنطن من أن "الكثير من الإيرانيين يريدون تغيير النظام لكن دون دفع ثمنه من الدماء".

وفيما تبقى المعارضة الإيرانية -داخل البلاد وخارجها- منقسمة، دعا رضا بهلوي نجل الشاه المخلوع الإيرانيين إلى "الصمود"، بينما يشكك العزيزي في إمكانية حدوث "انتفاضة شعبية تقود إلى تغيير النظام