عودة تمثال ستالين إلى مترو موسكو تثير عاصفة من الجدل حول إرث الديكتاتورية
في قلب محطة تاغانسكايا بمترو الأنفاق في موسكو، يعود شبح الماضي ليطرق أبواب الحاضر من جديد. نصب تذكاري جديد للزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، منتصباً بكل شموخ في الساحة الحمراء محاطاً بحشود معجبة، أثار موجة من السخط والاستحسان في آن واحد.
هذا التمثال الجداري، الذي كشف النقاب عنه في منتصف مايو الجاري، ليس سوى نسخة طبق الأصل من نصب سابق كان يقف في المكان ذاته عام 1950، قبل أن يختفي في غياهب النسيان عام 1966 خلال حملة اجتثاث الستالينية.
بينما تقدمه إدارة مترو موسكو كـ"هدية للركاب" بمناسبة مرور تسعين عاماً على تأسيس المترو، يرى كثيرون أنه محاولة لتبييض صفحة تاريخ دموي. تاريخ تحفظ أرشيفاته أرقاماً صادمة: نحو 700 ألف إعدام خلال عامي الرعب (1937-1938)، وملايين آخرين قضوا في معسكرات الاعتقال الشاسعة.
في الزحام اليومي للمحطة، يقف بعض المارة يتأملون التمثال بإعجاب واضح. "لقد بنى دولة عظمى" يقول أحدهم، بينما يهز آخرون رؤوسهم استنكاراً. خارج أسوار المترو، يقدم حزب "يابلوكو" الليبرالي احتجاجاً رسمياً، واصفاً إعادة التمثال بـ"الإهانة لضحايا القمع".
هذه العودة الرمزية لستالين ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة. ففي السنوات الأخيرة، شهدت الساحات الروسية عودة تدريجية لرموز الحقبة السوفيتية، في ظل تصاعد الخطاب الوطني مع تفاقم التوترات مع الغرب.
لكن الأسئلة تظل معلقة في الهواء: كيف يمكن التوفيق بين الاعتراف بإنجازات الماضي ورفض جرائمه؟ أين يقع الخط الفاصل بين الحفاظ على التاريخ وتكريم الطغاة؟ بينما تتبارى الأصوات بين مؤيدة ورافضة، يبدو أن روسيا ما زالت عالقة في حوارها الصعب مع شبح ستالين، الذي يرفض أن يختفي تماماً من الذاكرة الجمعية.
في شارع موسكوفسكي القريب، يقف تمثال فيليكس دزرجينسكي، مؤسس الشرطة السرية السوفيتية، شاهداً صامتاً على هذا الصراع الدائر حول الذاكرة والتاريخ. وكأن المدينة بأكملها تتأرجح بين ماضٍ يصر بعضهم على تمجيده، وآخر يرفض كثيرون نسيانه.