الوحدة اليمنية.. درع الشعب وميدان الصراع الإقليمي
تمثل الوحدة الوطنية في السياق اليمني أكثر من مجرد حدث سياسي؛ إنها تعبير عن إرادة شعبية طويلة الأمد، تجسدت في لحظة تاريخية نادرة أعادت رسم ملامح الجغرافيا والهوية في آن واحد.
في الثاني والعشرين من مايو عام 1990، تحقق الحلم اليمني الذي راود أجياله لعقود، على يد الزعيمين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، بإعلان الوحدة بين شطري اليمن، الشمال والجنوب، منهية بذلك حقبة طويلة من التشطير السياسي والجغرافي والاجتماعي.
جاء هذا الإنجاز تتويجاً لنضال شعب عانى من النظام الإمامي في الشمال، ومن الاستعمار البريطاني في الجنوب، وفتح آفاقاً واسعة للتطور والانفتاح، إذ شهدت البلاد طفرة في التعددية السياسية والإعلامية والاقتصادية، مع تأسيس عشرات الأحزاب وصدور العديد من الصحف والمجلات التي عبّرت عن مختلف التيارات والانتماءات.
مثلت الوحدة اليمنية لحظة مفصلية في تاريخ البلاد، إذ ألغت الحواجز المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد، وأصبح بإمكان المواطن اليمني التنقل من أقصى صعدة إلى المهرة دون أن تعترضه نقاط تفتيش أو يُسأل عن هويته أو محافظته أو خلفيته الاجتماعية أو الطائفية.
ووفقاً للمراقبين، أسهم هذا التحول في ترسيخ شعور متزايد بالانتماء الوطني، وفي بناء نسيج اجتماعي أكثر تماسكاً، كما قلّص من مظاهر الانقسام التي كانت تغذيها عوامل التشطير الجغرافي والسياسي.
غير أن الوحدة، برمزيتها ونجاحها، لم تكن بمنأى عن الاستهداف؛ إذ أزعج منجزها أطرافاً إقليمية ودولية رأت في نهوض اليمن الموحد تهديداً لأجندتها، فعملت على زرع الفتن ودعم قوى داخلية ذات مصالح ضيقة لإثارة النزاعات المناطقية والطائفية.
ورغم فشل تلك المحاولات في بداياتها بفضل تماسك المؤسسة العسكرية وولائها الوطني، فقد استغلت القوى المعادية اضطرابات عام 2011 لتقويض البنية الأمنية والعسكرية، مما مهد الطريق لانقلاب مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في سبتمبر 2014، وهو ما مثّل بداية الانهيار الفعلي لمؤسسات الدولة.
ومع تعمّق الأزمة اليمنية، ازداد تمسك المواطن بفكرة الوحدة، لا من باب الحنين للماضي، بل باعتبارها مخرجاً حقيقياً من واقع متشظٍّ سياسياً ومنهار اقتصادياً.
فالجماعات المسيطرة حالياً على مختلف المناطق تتعامل مع الشعب على أسس مناطقية وطائفية، وحرمت ملايين اليمنيين من أبسط حقوقهم في الخدمات والرواتب، مما فاقم معاناتهم وزاد من معدلات الفقر، كما تؤكد ذلك مناشدة 116 منظمة إنسانية دولية وأممية ومحلية، أطلقت اليوم الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025 نداءً مشتركاً طالبت فيه المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لإنقاذ اليمن من الانهيار.
اليوم، وبعد سنوات من التمزق والصراعات، يتجدد الوعي الشعبي بأهمية المشروع الوحدوي كإطار جامع يضمن العدالة والمساواة والحياة الكريمة لكل اليمنيين.
ويؤكد هذا الوعي أن الوحدة ليست مجرد حدث تاريخي مضى، بل مشروع وطني لا يقبل المساومة، رغم ما اعترض مساره من إخفاقات بفعل المؤامرات الخارجية والداخلية؛ إذ تقع مسؤولية تصحيحها على عاتق القوى السياسية المعاصرة، من خلال إعادة بناء الدولة على أسس عادلة تضمن تمثيلاً متوازناً لكافة مكونات المجتمع اليمني، بعيداً عن المناكفات والمزايدات التي يدفع ثمنها المواطن بمفرده في نهاية الأمر.
ومع حلول الذكرى الـ35 لإعلان الوحدة، تعود القضية إلى الواجهة كعنوان للمرحلة القادمة، خاصة في ظل التجاذبات والتحالفات المتغيرة، ويدرك اليمنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن لا استقرار ولا ازدهار دون الوحدة المبنية على المواطنة المتساوية، والشراكة الفاعلة، ودولة عادلة تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.