22 مايو 1990: منجز تاريخي وحلم عربي طَموح

 د/ جمال الحميري

يُعد يوم 22 مايو 1990 محطة مفصلية في تاريخ اليمن، بل والمنطقة العربية بأسرها، حيث تحقق في هذا اليوم المجيد حلم طالما راود أحرار اليمن، وهو وحدة الشطرين الشمالي والجنوبي في كيان جمهوري وجغرافي واحد، إسمه "الجمهورية اليمنية". لم تكن الوحدة مجرد قرار سياسي فحسب، بل كانت ثمرة نضال طويل وإرادة شعبية راسخة، عكست توق اليمنيين العميق للالتحام والعيش المشترك تحت راية واحدة.

لقد جاء تحقيق الوحدة في وقت كان اليمن فيه يعاني من أوضاع غير مستقرة في كلا الشطرين؛ ففي الجنوب كان النظام الشمولي والصراع السياسي الداخلي يهددان السلم والاستقرار، بينما كانت الدولة في الشمال تفتقر إلى السيطرة الكاملة على معظم المناطق، حيث انحصر النفوذ في ما يُعرف بـ"المثلث"صنعاء – تعز – الحديدة. كما اندلعت حروب متكررة بين الشطرين في المناطق الحدودية، ما جعل من الوحدة ضرورة وطنية وليست مجرد طموح سياسي.

ورغم التحديات والمخاطر التي كانت تكتنف اليمن في تلك الفترة، إلا أن القيادتين السياسيتين في حينها، ممثلة في الرئيس علي عبدالله صالح والرئيس  علي سالم البيض، أثبتت شجاعة تاريخية نادرة ووعياً وطنياً فريداً، مكنهما من تجاوز الصعوبات والمخاطر وتحقيق هذا الحلم.

يومها، لم تكتفِ الأعلام بالارتفاع في سماء عدن، بل سالت دموع الفرح من عيون اليمنيين، ورقصت القلوب ابتهاجاً بمنجز عظيم أعاد لليمن هويته، ووضعه على مسار جديد من البناء والتكامل والازدهار.

وعقب تحقيق الوحدة، شهد اليمن انطلاقة حقيقية نحو التنمية، حيث شُيّدت مشاريع خدمية وتنموية وبُنية تحتية في مختلف المحافظات شمالاً وجنوباً، وشهدت البلاد عقدين من الأمن والاستقرار ، رغم وجود بعض التهديدات من اصوات داخلية مدعومه خارجيا لم تكن راضية عن هذا التحول الكبير. سقطت تلك الاصوات وانتصر صوت الشعب الوحدوي جنوباٌ وشمالاً.

لقد كانت الوحدة نموذجاً يُحتذى به على مستوى الوطن العربي، تجسيداً لحلم الوحدة العربية الشاملة، الذي لا يزال يراود شعوب الأمة من المحيط إلى الخليج.

لكن، وكما هي طبيعة التحولات التاريخية الكبرى، تمر اليمن اليوم بظروف صعبة تهدد هذا الإنجاز، حيث سيطرت مليشيا الحوثي بقوة السلاح على مؤسسات الدولة، ما أدى إلى غياب المؤسسات وانعدام العمل بالدستور والقانون وتهديد السلم الاجتماعي. ومع ذلك، فإن الوعي الشعبي شمالا وجنوبا لا يزال متشبثاً بقيمة الوحدة وأهميتها، لأن اليمن، بعمقه الجغرافي والثقافي والاجتماعي، لا يمكن إلا أن يكون موحداً.

إن استعادة الدولة اليمنية لسيادتها على كامل التراب الوطني يعد أحد أهم الروافع وهو الطريق الوحيد نحو الاستقرار، وإنهاء مشاريع التمزيق الصغيرة، التي لم تصمد في الماضي ولن تصمد في المستقبل. فالوحدة كانت وستبقى الخيار الوطني الذي يجمع كل اليمنيين، مهما اختلفت الظروف والتحديات.